منذ حرب العراق 2003 عندما تعمدت الولايات المتحدة وبريطانيا الإخلال بموازين القوى الخليجية باحتلال العراق، مع تردد خليجي في التدخل ودعم المقاومة العراقية وتحويلها إلى أحزاب سياسية لتوازن النفوذ الإيراني وتحد منه، ربما تخوف الخليجيين من اتهامهم بدعم الإرهاب «خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر»، ولذلك خسر الخليجيون معركة العراق، وأيضا في عام 2005، خسروا لبنان بعد اغتيال رجلهم القوي رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ولم يستفيدوا من الأحداث التي جرت بعدها من إخراج الجيش السوري من لبنان وعودة المهجرين وعلى رأسهم العماد ميشال عون، وخروج المعتقلين ومنهم سمير جعجع، فخسروا الأول وحجموا الثاني لصالح قيادات ضعيفة، فتحول العماد ميشال إلى الجانب الآخر «حزب الله وسورية وإيران» مجبرا، لتحقيق طموحات بالزعامة المسيحية وبرئاسة لبنان، بالرغم من أنه الشخص الوحيد القادر على الحشد في وجه منافسيه.
وفي عام 2011، عندما هبت رياح التغيير على بعض الأنظمة العربية واجتثت ثورات الربيع بعضها، حاول أغلب الخليجيين دعم أنظمة ضعيفة خوفا من نجاح الثورات التي ستأتي بمن لا يرضونهم، ومثلها فعلوا في مصر وسورية وليبيا، استنزفت الجهود السياسية والمالية والشعبية على دعم الثورات المضادة التي لم تزد القوة العربية والخليجية شيئا يذكر، بل إن إيران زاحمتها في دعم نظام بشار في سورية والحوثيين في اليمن.
كما ترك الخليجيون الساحة السورية بصورة مفاجئة آثار التساؤلات، لا يمكن القول إن تضارب الرؤية بينهم هو السبب، كما لا يمكن أن نبرر ذلك بأن تركيا والجيش الحر لهما صبغة إخوانية، لأن المعركة أكبر وأشد من ذلك بكثير!
وبالتأكيد كان السبب الرئيسي هو خوف الخليجيين من أن يتهموا بالإرهاب وتمويله، وهي التهمة التي لم تخشها إيران، لأنها تعلم أن ما ستحققه من نفوذ سيجبر الآخرين على التغاضي عن الأمور الأخرى.
وخسر الخليجيون تركيا في ظل صراعاتهم البينية، وكانت مرشحة للعمل كموازن إقليمي لإيران، ولم يتبق لهم إلا الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة لحمايتهم.
والأحداث الأمنية الأخيرة دليل قاطع على أن الخليجيين يعانون من اختلال في توازن القوى مقابل إيران، وانكشاف استراتيجي أمام الولايات المتحدة الأميركية، التي بدأت بابتزاز العرب اقتصاديا، ولذلك يتجه البعض صوب حلفاء الأعداء واقصد روسيا.
ختاما: استثمرت إيران في قوتها الناعمة كالتحالف مع بعض الأحزاب العربية الإسلامية، بينما حارب الخليجيون الإسلام السياسي، ولم يفهموا من القوة الناعمة إلا دفع الأموال فقط، كما خسروا القاعدة الشعبية العربية بعد الثورات العربية، ومن ناحية القوة الصلبة، فإيران أجبرها الحصار الدولي عليها على الاعتماد على قدراتها الذاتية، وبمساعدة حلفائها تمكنت من تطوير أسلحتها وخصوصا منظومة الصواريخ، بينما اشترى الخليجيون أسلحة «قليلة» بأسعار «باهظة»، ناهيك عن الاتفاقيات الدفاعية التي لم يستفيدوا منها، خصوصا بعد سياسة ترامب الذي لا يرغب في الحرب، بل ويتلكأ في الدفاع عن الخليجيين.