منذ أن تولى الرئيس ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في يناير، وهناك تغير كبير يحدث في طريقة صناعة السياسة الخارجية الأميركية وتحديد أهدافها وسبل تحقيقها، لدرجة أن اغلب دول العالم لم تعد تفهم ماذا تريد واشنطن منها! رغم أن ترامب يوصف (بالرئيس البروغماتي) أو بوصف أكثر دقة (رجل المال)، نظرا لأن سياساته الخارجية تهدف فقط إلى الكسب المادي المكشوف غير المغطى بشيء من الشعارات الأيديولوجية أو التعليلات الاستراتيجية، وهذا بالطبع يعد تغيرا كبيرا بالنسبة لسياسة أميركا الخارجية التي ترجح دائما العوامل الاستراتيجية على ما سواها. ونقيضا للصفات السابقة نجد الرئيس ترامب يتفوق على رؤساء أميركا المؤدلجين والمتشددين من اليسار واليمين خصوصا في المسألة الإسرائيلية، وليس ما سبق هو التناقض الوحيد للرئيس ترامب، إذ سنجد انه يعمل جاهدا لعزل أميركا خارجيا كما وعد ناخبيه من جهة، ونجده من جهة أخرى يرفع شعار الدفع المسبق في وجه حلفائه من الغرب والشرق، مع مواكبته في تسخينه للساحة الأوكرانية والخليجية ببعض العقوبات الاقتصادية التي تستفز الخصوم.
وأما بشأن كيفية صناعة السياسة الخارجية فلم يعد أحد يستطيع المشاركة فيها مع الرئيس ترامب، بل فقط يعمل الجميع على «إخراجها» بالشكل المناسب، وهذا الأمر لم يحدث على الأقل بهذا الوضوح على مر التاريخ الأميركي.
ويمكننا تلخيص اهم النقاط السلبية في سياسة ترامب الخارجية، وهي كالتالي:
- يثير الرئيس ترامب دائما الشكوك في مصداقية وموثوقية التزامه تجاه حلفائه عبر تعليقاته المتكررة بأنه لا يرغب في توريط أميركا بصراعات خارجية كبيرة، وهذا الأمر يزيد من احتمال فشل سياسة الردع للخصوم ويشجعهم على تحمل مخاطر أكبر، وتقريب الحرب (الحالة الإيرانية ـ الخليجية، الأوكرانية ـ الروسية).
- التقدم بحدة وتراجع بسرعة في القرارات المصيرية كالتصعيد العسكري بين إيران والولايات المتحدة (حادثة الطائرة بدون طيران التي أسقطها الإيرانيون، القصف الإيراني للقواعد الأميركية في العراق).
- فقدان التوازن بين مؤسسات صنع السياسة، فلم يعد للتكنوقراط في وزارة الخارجية والدفاع الكثير ليعملوا سوى مسايرة رغبات الرئيس فهم لم يعودوا يصنعون القرار ولا يتخذونه بل فقط ينفذونه - عدم قدرة البيت الأبيض على تسويق سياساته وفرض هيمنة واشنطن: مثال صفقة القرن المرفوضة من المجتمع الدولي والدول المعنية بتلك القرارات غير القانونية.
- عدم اهتمام ترامب بالديبلوماسية التقليدية وأساليبها، وإعلان المواقف بطريقة شخصية ومفاجئة عبر تغريدات من حسابه بتويتر، وكذلك عدم احترامه قواعد الديبلوماسية الدولية المتعددة الأطراف كالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني واتفاقية باريس للمناخ.
- علاقته المضطربة مع حلفاء واشنطن في الاتحاد الأوروبي والناتو، وشركائها الاقتصاديين كالصين، وعلاقته المشبوهة مع روسيا وثقته المفرطة بكوريا الشمالية.
الخلاصة: مؤسسات صنع السياسة الخارجية الأميركية تملك تراثا كبيرا من العراقة والقدرة على صنع السياسات وتحقيق الأهداف بعقلانية وبوسائل متعددة هي خليط من القوة الصلبة والقوة الناعمة تسمى (القوة الذكية)، ولكن يبدو أن ترامب يريد تحويلها إلى هيئة مقاصة (عقارية أو مالية) لبيع الصفقات وفق النمط التجاري الأميركي والمرفوض من شعوب العالم قبل حكوماتها.