دخلنا تدريجيا في موسم انتخابات تتنوع فيه طرق الوصول إلى المواطن للوصول إلى الكرسي النيابي بأي ثمن.
وفي عصر قرب انتشار موجة كورونا الثانية وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا المحمولة، سيتغير الخطاب الانتخابي عن السابق.
ففي حين كان طرح المرشحين لبرامجهم إما بالحضور الشخصي أو في الندوات المسجلة أو بالتقارير واللقاءات الصحافية فيعطي للمواطن الفرصة ليقرأ ويفكر، سيتحول خطاب من لا يملك وسائل إعلامية عالية الانتشار إلى استخدام الرسائل الإلكترونية الملخصة خاصة أن المتلقي يريد «الزبدة» ويسأم من «الطوالة».
وكم لاحظنا أنه ما إن يطرح أي شخص وجهة نظر حول موضوع ما، إلا ويتطور الأمر بسرعة إلى جدال فسخرية بين المتابعين يتبعه تخوين يصل إلى إثارة شحناء عرقية أو إقليمية أو طائفية خلال فترة وجيزة جدا.
هذا المسار لا ينتج نقاشا مفيدا ولا يبني وطنا ولا يحل مشكلة، بل يزرع تخندقا وتعصبا ولا يسعد إلا من تربص شرا بنا. فلماذا ازدهر هذا النهج البغيض يا ترى؟
منذ بدء عصر التواصل عبر الانترنت، ظهر نوع خبيث من المستخدمين يسمى (Troll) أو ما يمكن تسميتهم جوازا بـ«مسعري النيران»، وهو نوع يهدف أفراده إلى إثارة الخلاف بعيدا عن موضوع النقاش الأساسي باستخدام أسلوب التهكم والاستهزاء والسباب على الأصل أو الدين أو العادات الاجتماعية أو السياسة لكي يتغير موضوع النقاش، وينصب التفكير على رد الإساءة بإساءة أكبر منها، فيموت موضوع النقاش، ويلتهب جروح المجتمع، وتبث التفرقة بين مكوناته.
وبذلك يخرج القراء باستياء وغضب أكبر بدلا من مناقشة مشكلة لحلها، أو رأي يمكن تقييمه.
وكم من مذيع في القنوات الفضائية أتقن هذا الدور المخرب، وزرع الفتنة ليس فقط بين أبناء البلد الواحد فحسب، بل بين أمم مختلفة يجمعها تاريخ مشترك ومصير واحد.
ويكفي أن يبعث أحدهم بتصوير مسموم أو رسالة صوتية تستفز الآخرين، وتبدأ معها المصارعة الحرة والردح خارج إطار أبسط مقومات الأدب، ولكون البشر يتعلمون بالمحاكاة، أصبح هذا الأسلوب هو المنهج المعتاد للنقاش ولا عزاء للحقيقة أو الفائدة.
وفي موسم الانتخابات، يزدهر دور «مسعري النيران» لبث الطرح المسموم على اختلاف أنواعه وأشكاله، ويترصد له وسائل التسجيل لبث هذا الخطاب المخرب لينتج عنه تشرذم وتفرقة لأهل الوطن الواحد، فنزداد انقساما فوق ما نحن فيه، وما أسعد الشامتين والمتربصين بنا بذلك.
وعندما يتحول الطرح الانتخابي من العقلانية والمنطقية إلى أسلوب عاطفي بدائي يتم من خلاله بث الخوف بتخوين الآخرين وانتهاج سياسة إلغاء الآخر وتحجيمه لجمع الأصوات، فاعلم أن المرشح صاحب المصلحة الشخصية لن يحرص على المصلحة العامة وان تظاهر بذلك، ولن يغير في النهج الحالي بل سيكون مسمارا جديدا له وعبئا إضافيا عليه.
وفي بلد اختفت أمية القراءة والكتابة وازدهر التواصل الاجتماعي بين مواطنيه فهل يمكن لمواطنيه من صد أدوار «مسعري النيران» من ممارسة دورهم التخريبي في انتخابات 2020، بحيث يمكن للمواطن أن يتبين الغث من السمين ليصوت لمستقبل بلد بدلا من أولئك الذين يعطون وعودا بالتنفيع على حساب الآخرين والبلد عموما.
[email protected]