قبل عدة أيام فوجئت باتصال من هاتف نقال بعد العاشرة مساء ما جعلني أستفيق من النوم، وعلى الطرف الآخر سمعت صوتا نسائيا وهي تسأل عن ابني، فقلت لها إنني والده، فقالت لا يهم ابنك أو أنت، انا من لجنة المرشح فلان الفلاني ونرغب منكما في أن تصوتا له، لأنه الافضل وترتبطون به بأواصر عائلية و..و..و.. إلخ.
فاجأني الموقف! فلا الوقت مناسب، ولا المقدمة مناسبة (انت أو ابنك لا يهم)، ولا البرنامج الانتخابي للمرشح مهم (هو الافضل بشهادتها)، المهم صوتكما!
من الواضح تماما أنه على الرغم من مرور 60 سنة على تجربتنا البرلمانية، مازالت أساليب تعاطي الكثير من المرشحين مع الناخبين بدائية وتقتصر على توظيف العلاقات الاجتماعية والصورة الاعلامية للمرشح لكسب الصوت دون أن تكون مرتكزة على موضوعات تهم الناخب، أو حتى فهم معقول للاختلاف بين شرائح الناخبين والناخبات في اختيار مرشحيهم.
قد تكون هذه الاساليب البدائية مازالت مجدية لمجموعات معينة، لكنها عديمة النفع لمجموعات أكثر بما يعود بالضرر على المرشح.
فعلى الرغم من أن ثلاثية السكن والصحة والتعليم تتكرر باستمرار، ومع النمو السكاني المتسارع بشقيه الوطني والمقيم، لم يبرز حتى الآن أي طرح انتخابي يتبنى معالجة تلك القضايا بصورة واضحة ومنطقية، سواء ضمن الامكانات المالية والقدرة التنفيذية للدولة، أو تقديم حلول ابتكارية ممكنة التطبيق تميز المرشح عن غيره، وقد تناولت في مقالات سابقة ضرورة استئصال سرطان الفساد المالي والاداري والكف عن اسلوب النجاح التعليمي الشامل دون التفرقة والتمييز بين المتفوق والضعيف كمثالين فقط على كم التحديات التي تواجه بلدنا في الإبقاء على مستوى المعيشة المرتفع والمعتمد كليا على النفط.
وبعيدا عن كل تلك الهموم والقضايا، لايزال السؤال المهم: ما العوامل المؤثرة على اختيار الناخب (أو الناخبة) للمرشح (أو المرشحة) في الانتخابات؟
تحدد الدراسات المرتبطة بالسلوك أن القدرة على التنبؤ بالاختيار الانتخابي لمرشح دون آخر لاتزال صعبة بسبب تعدد العوامل التي تؤثر على الناخب من جهة، والاختلاف بين الناخبين على مدى اهمية كل عامل بالنسبة له.
وبالرغم من صعوبة تحديد قرار الاختيار، يجب على العلماء والباحثين والمهتمين فهم هذه العوامل والتي سأحاول بقدر المستطاع ايجازها وتلخيصها.
فالعوامل المؤثرة على الناخب كثيرة، يمكن تصنيفها على النحو التالي. القسم الاول متعلق بعقيدته الداخلية (أو الايدولوجية) الكامنة في اعماقه بما تحمله من مسلمات لا تحتمل النقاش، ومجموعة القيم والاتجاهات النفسية التي قد تكون ايجابية أو سلبية تجاه قضايا معينة أو تجاه جماعات في محيط بلده أو خارجها، كما تتراوح نظرة الناخب الى المرشحة في بعض الجماعات السكانية من ترحيب ودعم وقبول إلى نفور وإعراض.
ويرتبط القسم الثاني من تلك العوامل بالتكوين النفسي والاجتماعي للناخب والناتج عن تنشئته الاجتماعية ومحيطه وعلاقته بالآخرين، فلكل ناخب صورة ذهنية عن ذاته وشخصيته ولديه كذلك تفضيل معين للشخصية التي يجب أن يتمتع بها المرشح، وبالتالي عند توافق شخصية المرشح مع الشخصية المفضلة للناخب، فإن ذلك يعطي ذلك مزيدا من الرغبة في فهم اطروحات ذلك المرشح وجمع المعلومات عنه ومتابعته والتعرف عليه عن قرب اذا لم يكن معروفا له من قبل أو الاهتمام بما يطرحه اذا سبق له التعرف عليه.
أما القسم الاخير من هذه العوامل فتتعلق بمدى قوة التأثيرات النابعة من الوسط الخارجي المحيط بالناخب، ودرجة تأثيرها على قرار الاختيار، والذي يمكن له أن يتراوح ما بين استقلالية شبه كاملة في اتخاذ قرار الاختيار أو الانقياد والخضوع والتزام برأي أو بسلوك الآخرين المهمين والفاعلين من حوله.
وبما أن هذه العوامل تمثل صراعا بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية المؤثرة على الاختيار، فإن محصلة تأثيرات تلك القوى تتلخص في تشكيل عاملين مهمين هما الثقة والمنفعة المتوقعة.
فعامل الثقة للناخب تجاه المرشح يحدد مدى صدقه فيما يقوله وقدرته على الالتزام بما وعد، أما المنفعة المتوقعة فترتبط بالمكاسب التي يتوقعها الناخب والتي تتراوح بين تحقيق المنافع الشخصية (توظيف أو توسط أو أي خدمات ملحة) أو المصلحة العليا الوطنية التنموية وتحقيق ظروف اقتصادية ومعيشية افضل للمواطنين في المستقبل.. وللحديث بقية.
[email protected]