تناولنا في المقال السابق خطأ بعض المرشحين في الظن بأن الانتشار العالي للإعلان المتكون من الاسم والصورة والشعار الانتخابي سيؤدي إلى علم الناخب بأن المرشح موجود، وبالتالي ستزداد فرصة نجاحه كلما تكرر الاسم والشكل والعبارات الانتخابية التقليدية، وهو منطق قد يتوافق مع المثل الذي يقول التكرار يعلم.. الشطار! وعليه، فتكثيف الاتصال الهاتفي وإمطار الناخب بالرسائل الهاتفية النصية والمرئية يتوقع أنه سيكون لها تأثير على اقناعه بالتصويت له.
هذه تكاليف يظن المرشح أنها فعالة لكنها تظل محدودة الجدوى اذا لم تقترن بفهم الخارطة الاجتماعية للناخبين والناخبات.
تنطلق رغبة الناخب بالاختيار من عدمه من مدى ثقته بالمرشح واقتناعه بأنه سيحقق له اهدافه، سواء كانت نفعية شخصية أو سياسية عامة، حسب أهميتها بالنسبة له، فالناخب الساعي للوصول إلى خدمات ومنافع لا يحققها الا مرشح الخدمات سوف يلغي من اعتباره اي مرشح يتناول قضايا عامة، وهناك علاقة قوية بين حجم اختلال ميزان العدل الحكومي في منح المنافع أو تمكين الحصول على خدمات لا يمكن أن تحصل عليها الا عن طريق الواسطة والاستثناء وبين نمو هذه المجموعة من الناخبين، وقد تبين من اسلوب الملاحظة وتحليل نتائج الانتخابات السابقة أن هذه المجموعة لا زالت تحتل موقع الصدارة بين باقي مجموعات الناخبين في مناطق انتخابية مختلفة، إلا انها لا زالت صعبة الرصد حيث لا تظهر استفتاءات الرأي العام النسبة العامة لهؤلاء الناخبين وحجم نموهم نظرا لخجل الناخب من ابداء رأيه علنا أو عدم رغبته في المشاركة باستبيانات الرأي.
وكلما ازدادت درجة قرابة النسب ارتفعت توقعات الناخب أنه سيحصل على تلك المنافع أو يتخلص من العقاب والجرم اذا ما احتاج اليه لاحقا.
وفي بعض الاحيان، تكون تلك المنافع فورية ببيع الصوت أو الحصول على مكاسب مالية غير مباشرة، حيث تسهم ثلاثية النفوذ السياسي والمال السياسي والدعم المالي غير الحكومي للمرشحين في رفع أسهم مرشحي الخدمات باتجاه الفوز.
ترتفع درجة الخطر على صدق التمثيل النيابي للمواطنين في موضوعات تتعلق بالحريات الشخصية أو المدنية أو بارتفاع نسبة هؤلاء المرشحين في المجلس.
فما تم صرفه في الانتخابات لابد من تعويضه اضعافا مضاعفة، كما أن الانحياز والتصويت مرتبط بمدى استمرار النائب في تقديم الخدمات وشراء ولاء الناخبين، خاصة اثناء الحملات الانتخابية وما قبل انتهاء عمر المجلس او ظهور بوادر حله. وقد يبرر الناخبون والمرشحون هذا التصرف في التصويت بانعدام العدالة الاجتماعية بما يظهر نائب الخدمات بمظهر «روبن هود» الذي يسلب الأغنياء لإطعام الفقراء.
ولهذه الاستراتيجية الانتخابية وجاهة كبيرة خصوصا مع انخفاض متوسط الدخل ومحدودية الفرص الوظيفية وارتفاع معدلات الإعالة الأسرية والعدد المرتفع لابناء الاسرة، وخصوصا مع ارتفاع الكثافة السكانية في المنطقة الانتخابية.
وفي المقال القادم سنتناول سردا لبقية المجموعات الانتخابية البارزة، بمشيئة الله.
[email protected]