الفساد وما أدراك ما الفساد! إنه إذا استشرى في أي بلد ضاعت مصالح الناس وتراجعت الأمة، وظهر الكساد وعم الفساد يضرب في كل أرجاء المؤسسات الحكومية، لذا اقرؤوا التاريخ لتعرفوا كيف انهارت امبراطوريات عندما ابتليت بداء الفساد!
ولعظم أثر الفساد وضعت الأمم المتحدة تصنيفا خاصا لدول العالم تبعا لمدى الفساد الإداري فيها، والمفسدون هم الباحثون عن الثراء من أقصر الطرق بمخالفة القوانين أو التحايل عليها لتحقيق مطالبهم بأقل مجهود، وهؤلاء يقتلون الطموح والآمال في نفس كل ساع مجد، فكيف لمجد أن يسعى ويجتهد وهو يرى ويشاهد من هو أقل منه جهدا وعطاء قد سبقه، فالترقية والتعيين والعلاوات لماذا؟! لأنه يعرف طريقا غير الذي نعرفه، ويسلك دربا نجهله، وللأسف الفساد يظهر في كثير من أمور حياتنا، منها: المناقصات وترسيتها وتخصيص الأراضي وإسناد المشاريع والتوظيف والتعيين والسفريات والمكافآت والإجازات والعلاج في الخارج والاستثناء من الدور، وكم من استثناءات حصلت في الكويت، والسؤال الآن كيف نواجه الفساد القاتل للإبداع والمحطم للآمال، والذي يهب من لا يستحق ما لا يملك.
والحل في أن يشعر كل منا أنه ينتمي إلى الكويت، فهي للجميع وليست لفئة دون أخرى، ويجب عدم ترك المجال لحفنة من المنتفعين لتضييق دائرة الانتفاع إلى أقصى درجة لتشملهم هم وبطانتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
الحل في تفعيل القانون وتشديده وتطبيقه على الجميع بلا استثناءات، وألا يكون هنك أحد فوق القانون والمساءلة، وأن يكون هناك رادع لكل من تسول له نفسه المساهمة في الفساد وضرب القوانين.
ولابد أيضا من تفعيل قانون «من أين لك هذا؟»، نعم لسنا دولة اشتراكية لكننا دولة مؤسسات ويجب أن يساءل كل من تسول له نفسه نهب ثروات الكويت بالاستثناءات، فمن أين حصلوا على ثرواتهم؟ ويجب كذلك تفعيل قانون الذمة المالية، وليكشف كائن من كان عن أملاكه وثرواته وإعلام الجهات المعنية من أين اكتسب تلك الثروات، وبأي طريقة.
نحن لا نريد أن نتحول إلى دولة تؤوي مفسدين أو أن نبارك لهم سرقتهم للمال العام، بل علينا أن نكشف هؤلاء المفسدين وتقديمهم للعدالة وتجريدهم من ثرواتهم التي امتصوها من دماء وعرق كل مواطن شريف لا يجد غير راتبه في نهاية كل شهر، استمعوا إلى كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو قد أرسل من يجمع الصدقات والأموال فجاءه الرجل وقال له: هذا لكم وهذا اهدي إلي، فكان رد الرسول في حالة من حالات الفساد عرضت له منذ أكثر من 14 قرنا بقوله: «من استعملناه على عمل ورزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول»، أي خائن للأمانة، هذا هو ديننا يحارب أولى حالات الفساد وبالتنفيع ويصفها بأنها خيانة للأمانة.
فلنسم الأشياء بأسمائها فخائنو الأمانة بيننا كثيرون فسارعوا إلى معالجة الفساد واجتثاثه من جذوره فلا حياة لأمة ضاع فيها الحق ولا مستقبل لأمه اختطت لنفسها الفساد طريقا والمحسوبية أسلوبا.
قال تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد).
اللهم احفظ بلدي الكويت وأميرها وشعبها والمخلصين عليها من كل شر ومكروه، ونسأله سبحانه أن تنقشع هذه الغمة ويذهب هذا البلاء من الكويت وجميع دول العالم، اللهم آمين.
[email protected]