أي إنسان عربي مسلم يشعر بمحن أمته، وتنغص عليه هذه المحن حياته، يعيش اكتئابا ما بعده اكتئاب، فها هي أمتنا تعيش عصرا من التخاذل والتراجع والانكفاء إلى الداخل والمهادنة مع العدو في عصر لم تشهده من قبل حتى في عصور الظلام وهذا الضعف الأبدي الذي تعيشه امتنا جعل أعداءنا يجرؤون عليها وينهشون من لحمها ويدنسون مقدساتها ويغتصبون ارضها وتراثها، وتعرضت غزة لعدوان عسكري من جيش الاحتلال نتج عنه سقوط الشهداء والمصابين وهدم البنايات والمساكن والمراكز الطبية، أمتنا شغلت بكل ما يبعدها عن واجبها الأساسي، وهو حماية مقدساتها والذود عن ديننا واحترام رسولنا صلى الله عليه وسلم آه يا أمتي إلى أين تسيرين؟!
ما الذي فعله بك هؤلاء الأفاكون؟ لقد أصابوك بسهامهم فلم يعد فيك مكان لجرح جديد فنزيفك مستمر وضعفك جعل الذئاب تمزق جسدك الواهن وتلعق دماءك، واحسرتاه يا أمتي ها هو مسرى نبيك يدنس يدخله المتطرفون اليهود بأحذيتهم يصدون المسلمين عن الصلاة ويمنعونهم من رفع الأذان فيه ها هي الحفريات حول الأقصى تنذر بسقوطه فلا يبقى منه اثر، ها هو الحرم الإبراهيمي يضاف إلى تراث اليهود ومعه مسجد مؤذن الرسول بلال، كل هذا ونحن نمد لليهود حبال الوصال ونعلق حياتنا ومستقبلنا على رضاهم ومشورتهم كأنما خلت أمتنا من المخططين والمستشارين المخلصين، نصدر البيانات تلو البيانات من شجب واستنكار وإدانة، سيوفنا صدئة كعقولنا، إرادتنا هزمت في داخلنا لم نعد نستطيع أن نجتمع على رأي حتى لو كان إغلاق شباك هذا يريد إغلاقه وهذا يريد هدم البيت على من فيه.
عفوا أيها المدافعون عن الأقصى وعن مقدساتنا، عفوا فنحن لسنا منكم وأنتم لستم منا، ومقدساتكم لا تعنينا وليس من بينها الأقصى ولا الحرم فنحن شغلتنا ثرواتنا وكيف ننميها وعطلنا وأين نقضيها ومشاريعنا وكيف نجعلها تصب أموالها في خزائننا، شغلتنا الدنيا بملذاتها ومتاعها، أما انتم وأقصاكم ومساجدكم فلتبحثوا لكم عن قوم آخرين يساندونكم، لم تلوثهم الدنيا ولم ينخدعوا بالمعاهدات والخطوة خطوة!
عفوا أطفال الحجارة إن قلبي يدمع والدموع تتساقط من عيني حزنا وقرحا ويأسا وأنا أراكم تواجهون الدبابات بصدوركم العارية تقفون أمام الموت غير آبهين ترمون بحجاراتكم جنود الاحتلال وتصيبهم وتصيب معها قلب كل جبان آثر دنياه على اخرته وجلس يشاهدكم أمام التلفاز مكتفيا بعبارات وضعها من نوعية الشجب والاستنكار والإدانة «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» إن الحرب بيننا وبين اليهود حرب عقيدة قبل كل شيء، فالعقيدة لا تحارب إلا بالعقيدة، والصهيونية عقيدة دينية مغلفة بغلاف سياسي، فاليهود متمسكون بعقيدة، ولن يكون لنا شأن ولن نكون لهم بالمرصاد إلا إذا تمسكنا بعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فإسرائيل ليست بالدولة التي تعبث أو تلعب فلن تكتفي بفلسطين ولا الجولان ولكنها وضعت على باب الكنيست الإسرائيلي شعار تقول فيه «أقيموا دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل»، فلا يجوز الصلح مع إسرائيل قتلة الأنبياء، فالأرض هي ارض فلسطينية مباركة وهي أرض الوحي ومسرى النبي وبها المسجد الأقصى الذي بارك الله من حوله، واقع ممزق هو واقعنا تسوده الفوضى والأحقاد وجمع الأموال، فلقد سرى الضعف والهوان إلى جميع النواحي في مجتمعاتنا سواء في المناصب السياسية أو الاجتماعية وحتى الفكرية، وهذا للأسف الشديد يحتم علينا جميعا أن نختار الحل السلمي ونجلس للتفاوض مع اليهود وتنتهي حالة الحرب لأننا لا قبل لنا بها فلقد شغلتنا أموالنا وكراسينا!
رحم الله المعتصم الذي جمع جيوشه نصرة لامرأة مسلمة استنجدت به فجمع رجاله واهتزت أركان الدولة الإسلامية لصرخة هذه المسلمة ولبى المعتصم نداءها ونصرها وأخذ لها حقها ورفع راية الإسلام خفاقة عالية، وجلس صلاح الدين ذات مرة مع أركان حربه فحدثت بينهم نادرة ظريفة فضحكوا ولم يبتسم صلاح الدين فقالوا له لماذا لا تضحك كما نضحك؟ فقال لهم إنني استحيي من الله ان يراني مبتسما والمسجد الأقصى في ايدي الصليبين، حتى الابتسامة حرمها على نفسه فإسرائيل الآن لا تريد لغة واحدة وهي اللغة التي أخرجتهم من لبنان فليهتم كل عربي مسلم كما قال الشاعر:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى
إن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يرسل لهذه الأمة من يوقظها من سباتها العميق ويبعث فيها حياتها وكرامتها لتثأر لقتلاها وتسترد ما اغتصب منها ويرفع راية الإسلام خفاقة عالية ترفرف على القدس الحبيبة معلنة نهاية الصهيونية الحاقدة، ومن سار في مناكبها من المتآمرين وجيوش المتنفعين من فساد الأموال العربية وعشاق الكراسي.
[email protected]