تأتي ذكرى الإسراء والمعراج وحال المسلمين حال فرقة وشتات، كل يسير على هواه، وكأن دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن الا دعوة هاشمية كما يتصورها من لم يكن الإسلام صلبا في قلوبهم، فما من نبي ولا رسول إلا قاسى من أنواع البلاء الشيء الكثير، ورسولنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام لاقى من الشدائد والاهوال ما جعله اهلا لحمل هذه الأمانة، مؤيدا من الله بالآيات ومصدقا بالمعجزات، فلقد فجع رسولنا صلى الله عليه وسلم بموت عمه ابي طالب، ومن بعده زوجته خديجة رضي الله عنها، وحزن رسولنا عليهما حزنا شديدا حتى اطلق على ذلك العام عام الحزن، ومن بعد موتهما تحرك كفار قريش وأنزلوا بالمسلمين اشد انواع العذاب حتى وصل الامر الى ان قام احد السفهاء بإلقاء التراب على رأسه الشريف ولما رأته ابنته فاطمة رضي الله عنها تقطعت نفسها من البكاء وحزنت وتألمت لما اصاب ابيها، فبدأ صلى الله عليه وسلم بالبحث عمن يدفع عنه الأذى وعدوان المعتدين، فذهب الى الطائف لعله يجد من يساعده ويستجيب لدعوته ولكنه وجد صلى الله عليه وسلم قلوبا اصلب من الحجارة فقد سلطوا عليه سفهاءهم وعبيدهم يقذفونه بالحجارة والأشواك حتى ادمو قدميه الشريفتين فأخذ صلى الله عليه وسلم يمسح الدم وهو يقول (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ثم شاء الله عز وجل ان يبزغ الصبح المنير بعد الظلام الحالك وانبعث نور الامل وظهرت بشائر السرور والفرح ففي السابع والعشرين من شهر رجب قبل الهجرة بعام ونصف تقريبا اسرى الله سبحانه وتعالى برسوله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم عرج به الى السماء حيث سدرة المنتهى فطوى الله الارض في لحظات من الليل وفتح له ابواب السماء وأطلعه على ما لم يطلع عليه احد من قبل وستظل حادثة الاسراء والمعراج معجزة تفوق كل المعجزات واننا بمعجزات العلم لنقف امامها عاجزين ساجدين صاغرين لننحني امام قدرة الله سبحانه وتعالى في طي المسافات ولقد كان لهذه الرحلة اثرها العظيم في نفس رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وفي نفوس اصحابه الكرام وفي مستقبل الأمة التي آمنت به وصدقت برسالته، اما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقد استيقن بتكريم الله عز وجل له وإنه لم يتخل عنه ابدا ولن يتركه لأعدائه وأما اصحابه رضي الله عنهم فلقد كان هذا الحدث العظيم معجزة لهم فاز بها المحسنون الذين صدقوا بهذه الحادثة وكشف زيف المنافقين وهنا سؤال يطرح نفسه وهو هل كان الاسراء والمعراج بالجسد والروح معا ام كان بالروح فقط؟ وبقليل من التأمل في قوله تعالى: (سبحان الذي اسرى بعبده) نجد ان الفعل نسب الى الله فالارادة والقدرة هنا لله سبحانه وتعالى بانه هو الذي اسرى ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي اسري به، ومادام الفعل امر الله عز وجل فلا ينبغي للعقول ان تستبعد وقوعه وهو سبحانه يقول للشيء كن فيكون أو ان يبحث فيه بقوانين وامكانات البشر فهذا الحدث غير خاضع لمثل هذه القوانين، فهذا امر الله وقضاؤه الذي لا رادّ له، فلقد بدأت الآية الكريمة بقوله «سبحان» ومعناها ان الله منزه في ذاته وصفاته وأفعاله ليس كمثله شيء فلا تقاس قدرته بأفعال وقوانين العباد، فقدرة الله تنقله بجسمه وروحه في غمضة عين لأن الله سبحانه وتعالى على كل شي قدير، فلو كان الاسراء بالروح فقط او رؤيا رآها كما يقول البعض لما تعجب كفار قريش من ذلك ولا استبعدوا وقوعه لأن الانسان في المنام يمكن ان يرى نفسه في اي بقعة من بقاع الارض وهو لم يذهب اليها من قبل ولا ينكر احد ما رآه لأنه منام ولكن المشركين لشدة انكارهم طلبوا منه ان يصف لهم المسجد لعلمهم بأنه لم يذهب الى هناك في رحلاته وقوله تعالى (اسرى بعبده) دليل على ان الاسراء كان بالجسد والروح معا لان كلمة العبد لا تطلق الا على الروح والجسد معا فلا يقال للروح (عبد) ولا للجسد (عبد) وانما هذه الكلمة تشمل الاثنين معا واذا كان الله قد مكن للكفرة والملاحدة في ان يجتازوا الفضاء ويسر لهم المشي على القمر افلا ييسر البراق ويطوي الزمان والمكان لحبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم ؟ والآن لابد للمسلمين ان يدركوا جميعا مسؤوليتهم تجاه المسجد الاقصى وان يفدوه بدمائهم واموالهم وبالغالي والنفيس وان التفريط بالمسجد الاقصى جريمة كبرى لا تغتفر ونسأل الله في هذه المناسبة العظيمة ان يجعلها باعث رشد وهدى ومنارا وطريق العزة للمسلمين.
[email protected]