رمزية الثعابين والأفاعي تفرض نفسها في كثير من الثقافات والأديان القديمة وقد أدى ذلك إلى دورها الفاعل في كثير من الأساطير والقصص الشعبية، فارتبطت بأقدم الطقوس الممزوجة بين الخير والشر.
ففي الهند نرى تداخل الدين بالأسطورة فيصبح الثعبان «كاليا ناغ» رمزا للتكبر والجهالة حتى يأتي الإله «كريشنا» ويقف على رأس كاليا بثقل الكون ويرقص على رأسه حتى يتقيأ دما ويشرف على الموت إلا أن صلاة زوجاته وتضرعهن للإله «كريشنا» يحول دون موت الأفعى.
في أستراليا ترمز الأفعى لقوس قزح، وهي أم كل المخلوقات بينما الأفعوان كان يحارب الشمس من أجل الماء نيابة عن البشر! وفي الحضارة السومرية كان الإله مردوك او «النمرود» باللغة العربية هو من يصرع الثعبان كرمزية الخير والشر.
والحضارة المصرية التي تتميز بالتنوع الرمزي فتكون «ابيب» أفعى شريرة وشيطان الظلام بينما رع إله الشمس في صراع دائم مع «ابيب» لخلق التوازن.
بالحضارة اليمنية تحديدا في سبأ كانت الأفاعي رمزا للحراسة والتحصن لأنها كانت تحمي أشجار اللبان المقدسة. والصين التي تجسد التنين بأفعى عملاقة ذات أجنحة. أما شعب المايا المتعدد الآلهة فيرمز لإله الريح «كوكولكان» بثعبان مغطى بالريش.
الأساطير اليونانية والأوروبية لا تقل شأنا عن هذا التواجد «الأفعواني» والذي يشكل رمزيات عديدة منها الخصوبة، الحراسة، العقاب، التعويذات، التحول، التطور، القوة الخارقة والتنبؤات.
فالأمر لا يقتصر على ميدويا ذات شعر الأفاعي. فعفريتة المياه العذبة «ميلوسينا» تمت معاقبتها وتحويلها إلى نصف أفعى ونصف امرأة كلعنة. والتي تغرم بالأمير «ريموندين» وتتزوج منه شريطة ألا يراها كل يوم سبت لأنها تعود إلى شكلها الحقيقي الذي أخفته عنه. ولكنه يخون العهد بالتجسس عليها وهي في بانيو من الرخام عبر ثقب الباب، فيصعق بأن أم أبنائه الثلاثة ما هي إلا أفعى عملاقة. وكما وصلنا من المخطوطات القديمة تهرب «ميلوسينا» من القصر كونها كائنا ملعونا مسببا للشرور.
استحضرتني «ميلوسينا» بالأسطورة الشعبية الكردية «الأميرة شاه ميران». فالأدب الكردي الشفاهي غزير وعميق جدا ومازال تأثيره حتى يومنا هذا.
تتخلص قصة الأميرة شاه ميران بفتاة جميلة جدا يتم سحرها وتحويلها إلى نصف أفعى ونصف امرأة فتهرب إلى مغارة مليئة بالعسل وتعيش بسلام مع باقي الأفاعي ويتم تتويجها كملكة لهم. فتلتقي بحطاب فقير يتركه رفاقه عمدا بالمغارة بعد أخذ العسل، فيخبر شاه ميران بخيانة أصدقائه، فتهب لمساعدته وإخراجه من المغارة وإعطائه جواهر ونقودا على شريطة عدم فضح مكانها. ولكن الحطاب يخل بالوعد بعد أن مرضت ابنة الحاكم وعلاجها الوحيد هو أن تأكل لحم شاه ميران. بعد إغرائه بالمناصب والزواج من الأميرة يفضح مكان شاه ميران ويستدرجها بذريعة الزواج منها.
يقول أهل طرطوس التركية ان الأفاعي لا تعلم بموت ملكتهم حتى يومنا هذا وانهم يدقون بشكل يومي الدفوف والمزامير لإيهام الثعابين بأن العرس مازال قائما حتى يومنا هذا لكي لا تشن الثعابين الحرب على بني الإنسان انتقاما لشاه ميران.
دمتم بأساطير ساحرة.
Spanish_eyes
Dr_Afrah_Ma