الصراع بين أتباع الأديان والمذاهب في مشرقنا العربي أصبح ظاهرة ومشكلة تبحث عن حل، فكل فريق يريد أن يلغي الآخر ويحتكر الحقيقة والنجاة لنفسه، لذلك علينا قبل أن نختنق بتلك الأنفاس أن نفتح النوافذ على تاريخنا وتراثنا العربي بحثا عن التسامح والتآخي بين مكونات المجتمع.
لم يعرف العرب قبل الإسلام الفلسفة باستثناء الحكمة، فمع تطور الدولة الإسلامية وانفتاحها على الحضارات اليونانية والفارسية والهندية وتطور الصراعات السياسية والجدال بين الفرق الإسلامية نشأ علم «الكلام» ثم «الفلسفة» وفي العصر العباسي الثالث تحديدا (القرن الرابع الهجري) نشأت في البصرة جماعة سرية تنويرية عرفت فيما بعد بـ «إخوان الصفاء» يعبر عنهم العلامة أبو حيان التوحيدي «جماعة تألفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، فوضعوا مذهبا وصنفوه في خمسين رسالة وكتموا أسماءهم وبثوها للوراقين ووهبوها للناس» ومن رسائلهم هذا الحوار بين الناجي والهالك:
قال الناجي للهالك: كيف أصبحت يا فلان؟
قال: أصبحت في نعمة من الله، طالبا الزيادة، راغبا فيها، حريصا على جمعها، ناصرا لدين الله، معاديا لأعداء الله، محاربا لهم.
قال الناجي: ومن أعداء الله؟
قال: كل من خالفني في مذهبي واعتقادي.
قال: وإن كان من أهل لا إله إلا الله؟
قال: نعم
قال: إن ظفرت بهم، فماذا تفعل بهم؟
قال له:أدعوهم إلى مذهبي واعتقادي ورأيي.
قال: فإن لم يقبلوا منك؟
قال: أقاتلهم، وأستحل دماءهم، وأسبي ذراريهم.
قال: فإن لم تقدر عليهم فماذا تفعل؟
قال: أدعو عليهم ليلا ونهارا وألعنهم في الصلاة، كل ذلك تقربا إلى الله تعالى.
قال: فهل تعلم إنك اذا دعوت عليهم ولعنتهم.. هل يصيبهم شيء؟
قال: لا أدري ولكن إذا فعلت ما وصفت لك وجدت لقلبي راحة ولنفسي لذة ولصدري شفاء.
قال له الناجي: أتدري لم ذلك؟
قال:لا. ولكن قل أنت.
قال: لأنك مريض النفس، معذب القلب، معاقب الروح، لأن اللذة إنما هي الخروج من الآلام، ثم اعلم انك محبوس في طبقة من طبقات جهنم.
ثم قال الهالك للناجي: أخبرني أنت عن رأيك ومذهبك، وحال نفسك كيف هي؟
قال: نعم.أما أنا فإني أرى أنني قد أصبحت في نعم من الله وإحسان لا أحصي عددها ولا أؤدي شكرها، راضيا بما قسم الله لي وقدر، لا اريد لأحد سوءا ولا أضمر لهم دغلا...نفسي في راحة وقلبي في فسحة والخلق من جهتي في أمان.. اسلمت لربي، مذهبي وديني دين ابراهيم».
[email protected]