قبل أشهر معدودة، ومع الانخفاض السريع لأسعار النفط إلى دون مستوى الـ 20 دولارا للبرميل، كاد يجنّ جنون البلد، الحكومة من جهة والمواطن من جهة أخرى، وصار الكل يدلو بدلوه، وكالعادة في مثل هذا الحوار تسابق بعض السياسيين والاقتصاديين في طرح اسطواناتهم المكررة والمعادة حول وجوب وجود حل لهذه المشكلة وتوفير بديل اقتصادي مواز لدخلنا الوحيد من «النفط»، من دون تقديم أي مقترح ذي فائدة لاقتصاد البلد رغم كم اللغو!
الحكومة من جانبها ارتأت أن الحل يكمن كما جاء على لسان وزير المالية باستخدام الموس على كل «الروس»، إشارة إلى ضرورة أن يتحمل ويرضخ جميع المواطنين لرغبتها في التوجه نحو ترشيد الإنفاق سواء كان المواطن (خنافس أو أقرع أو في رأسه ثعلبة، فالكل راح يحلق)، لم تتوقف الحكومة على خطة الحلاقة فقط بل تحركت نحو الإسراع في تنفيذ مشروعها المسمى بالبديل الاستراتيجي أو كما سماه وزير دولتها «بيض الخفقع» وهي تدفع إلى تطبيقه بأسرع وقت، ولأن مشروعها ولد مشوها وغير مفهوم، فقد كان مصيره الفشل، حتى ان البعض أطلق عليه اسم البديل الخدعة.
رغم كل الطرق التي لجأت إليها الحكومة في محاولاتها لتنفيذ ما يسمى ترشيد الإنفاق إلا أنها أبدا لم تتطرق لأي مشروع أو بديل حقيقي لا من قريب ولا من بعيد، حتى يكون بديلا فعليا يغنينا مستقبلا عن حاجتنا للنفط كمصدر رئيسي لدخل الدولة، فيما لو تكرر سيناريو انهيار سوق النفط، ولكنها أي الحكومة اتجهت للحل الأسهل والأقرب واكتفت بالنظر إلى جيب المواطن البسيط دون غيره فكانت الرواتب والامتيازات وتعرفة الكهرباء والتموين والوقود.. إلخ، هي الهدف.
والآن وبعد أن عادت أسعار النفط إلى الارتفاع وبعد أن عاد السهم الأخضر بالظهور على شاشة بورصات النفط العالمية، وبعد أن دخل الصيف بلهيبه وذابت كرة الثلج، وهدأت النفوس وطاح الحطب ولا غالب ولا مغلوب وبعد أن لحس الكل كلامه، عدنا إلى نقطة الصفر وكأن شيئا لم يكن لنعود إلى حقيقة أننا لم ولن نتعلم من أخطائنا.
القصد: مر البلد ولسنوات طويلة بأكثر من تجربة قاسية وصعبة، وآخر تلك التجارب كان الهبوط السريع لأسعار النفط، الذي بدوره تسبب بحدوث عجز مالي قدّر بالمليارات، وقد كشفت لنا هذه التجربة فشل الحكومة وعدم قدرتها على إدارة هذه الأزمة، بل وعجزت عن إيجاد حل لقضايا أخرى أقل في الحجم وأبسط في الأسباب كقضايا الإضرابات، والسبب برأيي يعود إلى خطأ الحكومة في آلية ترتيب ملفاتها، وتسابقها مع نفسها في تقديم ملف قبل الآخر، وغياب الإدارة الاستراتيجية لكل ملف، مما أوجد حالة من الارتباك والخلل في أدائها، فكيف سيكون حالها فيما لو حدث أمر جلل لا قدر الله؟ والسؤال.. هل نتعلم؟.
http://www.ahmadalkhateeb.blog.com