في خضم الانتخابات الأميركية الأخيرة لاحظت ممارسات غريبة على المشهد السياسي الأميركي، فقد كان هناك دعوات إلى الكراهية والتعصب والعنف اللفظي، وهذا يثير التساؤل الذي أصبح حديث الغرب والشرق، فهل نحن أمام حقبة جديدة وانعطافة نحو طغيان الخطاب الشعبوي على المنطق الديموقراطي؟
«الشعبوية» ليست ظاهرة جديدة بل إنها موجودة منذ القرن التاسع عشر وظهرت في روسيا وتجلت في قيام حركة النارودنكس الاشتراكية التي دعت إلى حقوق الفلاحين والثورة ضد القيصر، كما ظهرت بعدها بنحو عقدين في أميركا عندما تأسس حزب الشعب من قبل بعض المزارعين والنقابيين، وقد لعب هذا الحزب دورا كبيرا في تعديل القوانين آنذاك لصالح المواطن البسيط والفئات المهمشة والعمال.
وظلت الحركة الشعبوية تظهر وتختفي خلال العقدين الأخيرين من ذلك القرن لكن مع بداية القرن الواحد والعشرين تزايد وجود الشعبوية في الغرب.
إن الشعبوية ممارسة عدوانية معادية للمجموعات الواعية سياسيا والتي تمتلك رأيا واعيا وإرادة نافذة وقدرة مخلصة على معالجة الأزمات وما إن يصل الشعبوي إلى الحكم حتى يجد نفسه في مأزق فإما أن يمارس الخداع للحفاظ على مؤيديه على حساب نقاء الدولة، وإما أن يبحث عن غريم آخر بعد ما يكون قد أطاح بالساسة الآخرين في المعركة الانتخابية السياسية التي يختلقها.
وفي أغلب الأحيان فإن «الشعبوي» المتغلب يلقي باللوم على النخبة الاقتصادية والجهاز القضائي وغيرها من الأجهزة الإدارية متهما إياهم بعرقلة قراراته والحيلولة دون إنفاذ إرادة الشعب، ويشدد الشعبوي المنتخب على حقيقة كونه منتخبا من الشعب مع أنه لم يكن اختيار كل الشعب.
تتصف «الشعبوية» بأنها ترتكز على لوم النخب كغطاء لفشلها، لكنها تتبنى أمرين في غاية الخطورة هما: تبني رؤية ثنائية للعالم، فخطابها قائم على الـ (نحن) والـ (هم) وتمثل الـ (نحن) فئة قومية أو طبقية أو إثنية فقط، كما أن الشعبويين يصورون أي خلاف على أنه نزاع أخلاقي لا سياسي، بمعنى أنه نزاع بين الخير والشر، وهكذا يصبح كل مخالف لهم شريرا يجب القضاء عليه، ومن هنا كانت «الشعبوية» عدوة للحضارة ولكل ما هو جميل في الحياة كما أنها تكريس للطغيان والفوضى.
لا تصدق أخي الكريم أن أي خير سيأتي من متعصب يقتات على النزاعات والاختلافات، فإن الحية لا تلد حمامة سلام أبدا.