انتخبت لك تجربة جديرة بالاهتمام قرأتها لأحد علماء الاجتماع من عمان الشقيقة الجميلة وهو الأستاذ مبارك الحمداني، وأتمنى أن تطبق في المراكز التعليمية والبحثية لفوائدها الجمة وألخصها فيما يلي:
1- إذا أردت أن تنتشل نفسك من شتات القراءة في التخصص، فلابد أن توحد الهدف من القراءة ليرتكز على زيادة المعرفة فيها لأننا لا نحاول القراءة في تخصصاتنا، بل نتعامل معها كأنها مصدر للمعيشة فقط، مع أن شتات المعرفة المتخصصة التي يفترض فيها التماسك علميا ومنطقيا.
2- إذا أردت بناء نفسك معرفيا وبشكل حقيقي في أي تخصص، فعليك أن تعود إلى أصل ما كتبه العلماء الأساسيون ولا تكتفي بما كتب عنهم وعن آرائهم.
3- إذا تتبعت مسيرة التخصص والمعرفة العلمية من خلال شخصياتها، فأنت تخفف ثقل النمطية الأكاديمية وسيكون الأمر وكأنك تقرأ رواية أو سيرة حياة أكثر من كونك تقرأ أفكارا نظرية، وبذلك تتأسس علاقة حميمة بينك وبين العالم الذي تقرأ له وقد تتشاكس نقدياً معه في بعض الأفكار.
4- حين تقرأ عبر الشخصية، فأنت تتحرر من قيود الزمن وضغط المعرفة وتتحرر كذلك من وهم القراءة المنظمة التي تصبح في بعض الأحيان عبئا مدمرا أكثر من كونها أداة بناء، فأنت لست مضطرا لتحديد زمان ومكان وإعداد جدول لهذا النوع من القراءة، فهي قراءة استدعائية تخلق حالة ابتهاج معرفي عبر حوار داخلي مع الشخصية وأفكارها.
5- إن القراءة المتخصصة تكسبك معرفة بمنهجية النقد وتجعلك أكثر قدرة على المقاربة والربط والمقارنة، كما تكسبك أيضا ملكات الاستنباط من خلال المقارنة بين ما كتبته الشخصية ذاتها وما كتب عنها ويجعلك تدرك جيدا أين تكمن القوة النقدية وكيف يتم تطويرها.
ختاما، أقول إن هذه التجربة رائعة، إذ تخلق أشخاصا قادرين على تنظيم أفكارهم وتطوير قدراتهم العلمية، ما يخلق مجتمعا عمليا متقدما ومستنيرا وأرى من خلال القراءة الناقدة حماية حقيقية للمجتمع وللأجيال القادمة من فوضى العالم الرقمي الذي تسبب في تدمير التألق الأخلاقي لدى الإنسان.
إن تطوير هذه المهارات هي بوابة تنفتح على الحياة لتعيدها من الصحراء إلى الحديقة الغناء حديقة العطاء الإيجابي، هذه التجربة الآتية من مسقط دفعتني أيضا للنظر بمنظور آخر إلى فعل القراءة، إذ إنها سر التوازن في كل شيء، إن فضولنا لمعرفة كل شيء مع رغبتنا في بناء قوتنا المعرفية في شيء معين يحتاج إلى تنظيم وفن القراءة عبر العلماء بقدر ما تشكل لدينا أفقا أوسع في التفكير والتحليل بقدر ما تجعلنا ندرك مكامن القوة الإبداعية في داخلنا.