الديانتان الإسلامية والمسيحية يمكن لهما أن تجدا لأطروحتيهما العقيدية والتشريعية والأخلاقية مجالا واسعا إذا ما تحركتا في ظل وحدة التقييم الإنسانية المرتكزة على القيم الربانية الروحانية في مواجهة والاستكبار المستكبرين والظلم والظالمين.
يفرض علينا الحوار الموضوعي أن ينطلق المسلمون للاجتهاد في دراسة المصادر الأصيلة للفكر الإيماني والاجتماعي والأخلاقي للمسيحية وتحليل مفرداتها ووعي أطروحاتها، وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحيين أيضا، لأن الحوار الموضوعي يعني التزام الحيادية بين فكرتك مهما كانت مقدسة والفكرة الأخرى المختلفة، لأن هذا هو الذي يجعلك تكتشف نقاط الضعف في فكرتك وتكتشف نقاط القوة في الفكر الآخر لكي تتكامل الرؤى الدينية من خلال توسيع القواعد المشتركة.
ويجب أن يكون الإنسان موضوعيا لكي يصنع من خلال الحوار فكرا متماسكا ساميا، لا أن يؤكد فكرا من خلال الحوار ويتعصب له بل يؤكده من خلال اختياره الحيادي لا من خلال الجدليات المتعطشة للتغلب في الصراعات المصطنعة، لقد علمنا الله أسلوب الحوار فقال الله تعالى (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ـ القصص: 49).
إن من أهم التحديات التي تواجه كل مؤمن متدين هو عقلنة الإيمان والمنطلقات الدينية كيفما كانت ديانته، وسبيلنا لعقلنة الإيمان تتم بالانفتاح على كل الفكر الديني وعلى كل الفكر غير الديني لنجعل العقل يحل محل الشعور الملتهب، والفكر بديلا عن الغريزة، ولنتحرك دينيا فيما هو العمق الديني، ولا نتحرك غرائزيا بالاندفاع والفوضى.
إننا عندما نعقلن طريقتنا في التعامل مع الذات والآخر، فإننا سنتوصل إلى احترام الآخر ونتعايش معه بقبول طيب حسن.
إن مشكلتنا في مسألتنا الدينية ليست هي مشكلة الموضوع الديني فحسب بل مشكلة العقلية المتخاذلة التي تخاف من أن تعبر عن أفكارها وتعددياتها، بل إننا دأبنا على أن نحول التعدديات إلى نزاعات وخلافات لنبرر الكراهية الهوجاء ونحارب التعددية ونكرس التنافر.
ينبغي أن نقوم بتقديم القيم الإسلامية ويقوم علماء المسيحية بتقديم القيم المسيحية على أساس أنها أساليب فارقة تعمل على ترشيد الوعي الإنساني ورفع مستوى النقاش الحضاري على صعيد الواقع الفردي والاجتماعي.
إن من صور التعايش أن نطرح مفهوم دولة الإنسان، وأن تكون المصالح والمواقع الاجتماعية متساوية، وأن تكون الحريات والحقوق متساوية، وان تكون الكلمة للعقل، للتوازن، للإنتاج، للمحبة، للتسامح، وفوق ذلك كله الإخلاص لقيم العدل، فالميزان هو العدل بمقاماته المختلفة وأعلاها القسط والإحسان، فإن مجتمع الحب لا ينشأ إلا عليها. ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن الخلافات محتملة في أي مجتمع إنساني، ولكن في الخلافات الدينية ينبغي أن نحمي الخصوصيات لكي لا تهدد الهويات الجزئية، علما بأن الهوية تعبر عن الإنسان وتجعله يحترم الخصوصيات والمشتركات معا، ويجب أن نفكر دائما في الإجابة عن السؤال حول كيف نكتشف عناصر الوحدة المتآلفة لأننا لا نريد من المسيحي أو المسلم وغيرهما أن يكون متعصبا متخندقا في داخل ذهنية الطائفية والعشائرية والقبلية، بل نريد ذاك الذي ينفتح على الوعي الديني الحضاري والواقع العالمي.
القضايا الدينية المتعلقة بذات الله وطبيعة السيد المسيح والنبوة الخاتمة لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هي قضايا أساسية لا مانع من الحوار العلمي فيها، لكن ليس من المقبول التناحر بسببها، لأننا بحاجة ماسة إلى حماية واقعنا من الاهتزازات التي تريد تدمير الحياة الأخلاقية للإنسان.. فاحذر أيها الإنسان.