ورد في كتاب «الحكمة الخالدة» للعلامة الشهير مسكويه عن أخلاق العالم الرباني هذا القول: «رأيت خلقا في بعض العلماء ممن أوتي فهماً وذكاء وعلما بأمور الدنيا ولسانا يعبر به عن الدهر وكان الذي زاده عندهم على نظرائه أنه لم يكن يفتخر بما يحسن ولا يعرفه به إلا من باحثه عنه وناظره فيه ولا يتطاول بمنطقه ولا يخرجهم إلى ما لا يعلمون، من القول يفهم الغبي بقدر ما يدركه ذهنه ويحقق المعاني عند الذكي بشرح غوامضها».
هذا هو الوصف الحقيقي الذي ينبغي أن يكون عليه عالم الدين، فإنه لا يصلح واقعنا المليء بالأكاذيب والمخادعين إلا من هو صادق شجاع متحقق باليقين الذي ينير دروبنا وأرواحنا ويجعل حياتنا مستقرة سعيدة، وإيماننا متسامحا متألقا بنور من الله، يتنفس في قلوب عباد الله الصادقين الشجعان المتواضعين الذين لا يريدون جزاء ولا شكورا، وهؤلاء هم الأنوار الذين يقتدى بهم.
قبل أيام تابع العالم بشغف وانبهار لقاء قائدين من قادة الأديان السماوية إنه العالم المتعطش إلى النور والسلام إذ كانت زيارة البابا فرانسيس إلى منزل المرجع السيد السيستاني نموذجا راقيا تجلت فيه معاني الاحترام الإنساني المتبادل والتعارف القائم على أساس قبول الآخر وهما ما يحتاج إليه عالمنا الحاضر، هذا العالم الذي لا يهدأ ولا يبتعد عن الصخب والتنازع والتخاصم، هذا العالم الذي يعيش في كل دقيقة صدامات ونزاعات متكررة، هذا العالم الذي انحرف فيه الإنسان عن السلوك الأخلاقي السوي كما انحرف عن التعارف الهادئ والتعايش بانسجام واتزان، إننا نعيش في زمن تحتاج فيه الروح البشرية إلى وقفة جادة تجاه ما يفعله السفهاء من سائر الأمم ولتعلو كلمة (لا) في وجه كل ظالم وطاغية وكاذب متطرف.
لقد كان هذا اللقاء الاستثنائي لقاء روح بروح وليس لقاء مصلحة بمصلحة، وهذا النوع من اللقاءات يفتح آفاقا لكل إنسان صادق من أي دين أو معتقد، لكي يعيد تطهير روحه ويرشد مواقفه لتنسجم مع الغاية من الدين وهي حب الله وخدمة الخلق وإعمار الدنيا والآخرة بالعمل الصالح، فالدين منبع السعادة والحب الحقيقيين.
وإذا انتقلنا من المشهد العالمي إلى المشهد المحلي فإننا نشهد نهوضا مماثلا، إذ قام العالم الجليل الشيخ حمد السنان في خطبة الجمعة في أحد مساجد إخواننا أهل السنة بالدعوة إلى التعايش والتآخي الحقيقي، وأشاد بمحاضرة لي حول قيم ومبادئ الوحدة الإسلامية، إن هذا النهوض المبارك للخطاب المغيب سيتحول إلى عطاء نابض بالحياة الخالدة وسيستمر شعارنا هو (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).