«الوطنية» هي صورة من صور التعبير عن الحاجة الإنسانية إلى تقدير الذات ووضعها في إطار من الواقع المجتمعي الذي يعيش فيه، لذلك كانت وستظل واحدة من أهم الضرورات القصوى لبناء مشاريع المجتمع الكبرى وينبغي أن نتعامل مع تلك الركيزة القيمية بجدية، لأن هذا هو ما يصنع الهوية الوطنية بشكل حقيقي وحقوقي بعيدا عن التعصب العرقي والظلم الاجتماعي والتوظيف السياسي حتى لا تتذبذب الأسس تبعا لأهواء الأكثريات ومراكز القوى، ولكي لا تتبلور إلا في خدمة الناس أجمعين دون تمييز أو انتقاص لهم ولكي تكون مرآة نقية للثقافة المجتمعية بكل ألوانها وأبعادها.
من بعد آخر، فإن الوطنية ترمز إلى الوطن بكل مضامينه الرمزية والشعورية والاجتماعية، وهي القاسم المشترك بين جميع المنتسبين لهذه الزوايا في حياة الإنسان، فهي زوايا متكاملة، متضامنة مع بعضها.
إن الوطنية حاجة ملحة تفرضها الطبيعة الإنسانية السوية التي تعيش في داخل كل إنسان وهي تحقق الانسجام بين مجموعة من البشر وتبني المجتمع المتضامن على أساس متطلبات العيش المشترك، لذلك فإن الوطنية تتأسس بكل مفرداتها وآفاقها على مبدأ الحرية وتطبيق حسن الاختيار لبناء الكيان الوطني الواحد، علما بأنه من دون ذلك لن توجد أية وطنية في الأفق وإن تعالت أصوات المطربين بها، وإن تاجر البعض باسمها.
في الوطن لا يمكن أن نشهد كانتونات وأزقة متنافرة ومنغلقة وأخرى ذات أسوار متحاجزة، يضمر كل كانتون لنظيره السوء عبر نشر ما يسوغ لضعاف النفوس هذا التباغض والتنافر وربما التقاتل.
إن من أخطر الأفكار التي تنتشر في مجتمعاتنا نظرية العدمية القومية التي تعني أن نلغي ونتجاهل كل الخصوصيات لوطن ما أو شعب ما، من أجل شيء آخر منعدم بسبب عدم تحقق شروط قيامه، وبهذا أصبح الواقع يعيش في حيرة ما بين واقع وطني ملموس فيه الكثير من السلبية وينتهك الإنسان فيما هو فيه وفي أحلامه، وما بين استشراف بعيد المنال يحلم فيه بالحرية والارتقاء بالعيش الكريم في ظل انسجام واحترام متبادل.
من هنا فإنه يجب على الدولة بأجهزتها المتعددة إيجاد الحلول الإنسانية المتوازنة لإنهاء معاناة أهلنا من غير محددي الجنسية الرسمية، لأن ذلك سيسهم في رقي المجتمع وحماية أفراده من الظلم والأحقاد، وهي انطلاقة مشرقة لبناء وطن للجميع.