تحديات وآفاق عديدة لا حصر لها أدخلتنا في عصر العولمة وعوالمها المتعددة دون أن نستعد لها، بل ازداد انشغالنا إما بأمراضنا الداخلية المزمنة وإما بأوهام قطيعتنا المعرفية مع العالم.
لقد غفلنا عن الصناعة المعرفية والمعلوماتية والتي أصبحت من الركائز الأساسية في بناء الدول واستمرار وجودها بالإدارة الحديثة الذكية والتي غيرت معنى الزمن بل ساهمت في تلاشيه ففقدت المسافات المكانية والزمنية قيمتها وأثرها، وكما يقولون بات العالم كله قرية صغيرة واحدة، لكنها قرية يملك فيها 358 مليارديرا ثروة تفوق ما يملكه 2.5 مليار شخص من البشر، في حين تستحوذ 20% من دول العالم على 85% من الناتج العالمي وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكان تلك الدول نحو 85% من المدخرات العالمية ما يجعل هذا العالم متوحشا.
وعلى صعيد آخر، أضحت الأجهزة الإلكترونية والنصوص المرئية والمقروءة هي الوسائط المستخدمة في تداول المعرفة، وأصبح الأمر كما يصفه مارك أوجيه بأنه «غزو يشنه نمط جديد من الخيال الذي يعصف بالحياة الاجتماعية فيصيبها بالعدوى ويخترقها إلى حد أنه يجعلنا نشك فيها وفي واقعها وفي معناها وفي المقولات الخاصة بالذات وبالآخر، ولقد أصبح المشروع الثقافي الغربي في عصر العولمة في عهدة الإمبراطوريات السمعية والبصرية بما تملكه من نفوذ وإمكانات وسلطة تمكنها من تقديم مادتها الإعلامية للمتلقي في قالب مشوق يجذب الانتباه عبر تكنولوجيا الإثارة والتشويق ويقارب عتبة المتعة ومعها يبلغ خطابه الأيديولوجي وأهدافه الاستهلاكية ويسهم في وأد حاسة النقد لدى المتلقي الذي يجد نفسه في نهاية المطاف قابلا لتمرير وتقبل جميع القيم والمواقف السلوكية دون اعتراض عقلي أو ممانعة نفسية».
من هنا، يجب أن نرى العولمة على أنها تحد خطير فرضه التطور الإنساني والتكنولوجي في كل مجالات ومستويات الحياة ويجب التعامل معها بذكاء إيجابي، فالأمة التي تمتلك القدرة على صناعة المعرفة هي الأمة القادرة على قيادة البشرية والأجيال القادمة، لذا فإن العولمة ليست خيارا نحن نقرره بأوهامنا التبجيلية، بل هي أوضاع عالمية على مختلف المستويات لا يمكن إلا أن ننضم إليها بمؤسسات وكفاءات فاعلة تحقق المساواة والعدالة بين شعوب العالم وتخلق تجانسا بين المجتمعات من خلال نظام فعال يحارب الهيمنة والاستبداد.
إننا وحدنا من نقرر موقعنا في هذا العالم، حيث إن الأوضاع الجديدة تتطلب قوة بشرية مدربة وقادرة على الإبداع والإنتاج والمبادرة والمنافسة، فهل فكرنا في الارتقاء بأنظمتنا التعليمية والإدارية وتحسين واقعنا السياسي والاجتماعي على خلق هذه القوى؟!