تمر الشعوب باختبارات عديدة في منعطفات الحياة العامة وتجرب خيارات متعددة قد تنجح أو تفشل فيها، ولاريب أن الديموقراطية ليست إلا أحد هذه الخيارات التي ارتضاها الإنسان منذ القدم، حيث إن فكرتها النموذجية تقوم على احترام ثلاثية «الحرية والعدل والتعددية»، ويقوم المجتمع البشري بممارسة الأداء الذاتي للديمقراطية لإصلاح مسار الحياة وخلق مستقبل واعد مزدهر للجميع، والكويت أنموذج راق لتكامل هذه الثلاثية، لذلك صمدت وستصمد دائما أمام التحديات، خاصة أن الديموقراطية لا تكون عبر إثارة الجماهير وغرائزها.
إذا أردنا أن نرتقي بمجتمعنا فلابد أن نفهم الديموقراطية كواجب وأن نبتعد عن الممارسات العشوائية، فالمبادئ السامية هي التي يجب أن تسود في المجتمعات وتقود بالديمقراطية القانونية مصالح المجموعات الاجتماعية المختلفة بما يخدم الوطن.
لقد أوضحت التجارب الديموقراطية في العالم أن الإنسان لا يستطيع ترتيب أموره بقواه الذاتية ولا يستطيع أنسنة الحياة الاجتماعية بمفرده وبإمكاناته المحدودة، لذلك يجب على الشرائح القيادية المتعددة في الجسم الاجتماعي تحديد هدفها وضبط غاياتها وإيصال رسالتها إلى الشعب بمواصلة الإنجاز في سبيل الارتقاء بالعمل الديموقراطي وتماسك البناء الاجتماعي وتطوير نمط الحياة الحرة.
ويبقى التحدي مطروحا حول ما إذا كانت الشعوب تستطيع الوصول على هذه الأرض إلى المجتمع الصالح والرائع، لعل من الصعب تصديق الأمر، لكننا نؤمن بأن المجتمع البشرى يمتلك أساسا وجوديا عصيا على الاستئصال وهو الذي ينقذ العالم من التحلل، ويحول دون عودته إلى الفوضى، ورغم كون هذا الأساس خفيا إلا أنه قوي جدا وعميق وراسخ في ذات وروح الإنسان، لذلك فقد حان الوقت إلى وقف تشتيت الطاقات وتوجيهها إلى ذواتنا لإعادة الروح للفرد والمجتمع، وزرع التضامن والتماسك في باطن هذا الكيان المجتمعي لتترسخ الجذور ولا تنقطع، فقد أثبتت الأيام أن أزمة المجتمعات لا تطيح بها ما دامت أرواح وعقول الناس واثقة مؤمنة بقدراتها ومطمئنة لشركاء الوطن والإنسان.
إن سياستنا تحتاج إلى عملية «أنسنة» لكي تحدد معنى حقيقيا لأفعالها، فلا تفقد البوصلة، ولكي تنمي الثقة بالذات الوطنية، ولبناء الجيل الجديد على الإيجابية والتفاؤل والإبداع.
إن «أنسنة السياسة» خيار وحيد لإنقاذ المجتمع من أي تخبط، ولحماية الفرد من أي تعسف، لذلك فليكن الإنسان مبتغانا لكي لا نقع في أزمة أخلاق ووجود.