قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام «أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يؤاخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاته ليعيره بها يوما».
التآخي فعل أخلاقي نبيل والإخاء قيمة متأصلة ومتجذرة في الإنسان تعبر عن الوجه الحقيقي للمدنية القيمية التي لا تنفك عن أي مجتمع متنور عادل يحيا بلا توحش ويتعاون ويتعارف ويتعاضد مع الآخر مهما بلغت وجوه الاختلاف، لذلك فإن إيجاد وبناء النموذج الصحيح لهذه العلاقة أمر مهم للغاية لأننا نهدف من ذلك إلى خلق التكامل الإيجابي الذي يحقق الارتقاء في تكامل الفرد والمجتمع منفصلين ومجتمعين.
ينير الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام السبيل لذلك، والذي يتمثل في الإخلاص في الفعل الجاد والمتواصل والنهوض بروح العطاء والمراقبة الكاملة لدقائق الأحوال وتقلباتها انطلاقا من أهمية المراقبة حيث انه من شأن ذلك تدريب النفس الإنسانية على تفحص باطنها بشكل مستمر تحسبا من أي معصية أو ذنب أو خطيئة لأن الحال الإنساني متقلب وسريع التأثر والإنجاب للملهيات لذلك فإن إتقان فن مراقبة النفس مهم للغاية لتطبق هذه القيم وتؤثر في تغيير الإنسان وأن التقاعس عن ذلك سيتسبب في البعد عن الله. ونؤكد هنا أن المراقبة ليست في علاقاتنا بداخلنا فقط بل في علاقاتنا بالآخرين، لأن الاهتمام بخلق الله جزء لا يتجزأ من منظومة السمو الأخلاقي، فإننا إذا خدعنا إخواننا سنخسر علاقتنا بالله، وهذا ما يذكره الإمام الصادق عليه السلام عندما يقول «أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يؤاخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاته ليعيره بها يوما»، فمن يخادع الإنسان ويتصيد عليه الزلات فهو مبغوض من قبل الله، وهذا يظهر لنا مدى اهتمام الخالق العظيم بشأن خلقه.
إن سلامة المجتمع فريضة إلهية تجب فيها النزاهة والتسامح والتغافل، وقد كانت المنهجية المحمدية السياسية تصب في هذا الإطار القيمي وتعطينا درسا حضاريا نقيا خالصا من أي غرض دنيوي ومن أي استغلال سلطوي.
إننا نحتاج اليوم إلى عالم أفضل لكننا يجب أن نصنع هذا العالم المحترم بأن نحترم ذواتنا ونحترم غيرنا وأن نتكاتف ونحيا إخوة.
إن تقوى ونقاء الإنسان وصفاء روحه هو عماد الحضارة، والحياة تأبى أن تبنى بعقول متشابهة والحضارة لا تتألق من دون احترام التعددية واستثمار الإبداعات الإنسانية ذات الألوان المتعددة، فمن أراد يكون شريكا في صناعة الحياة والحضارة فعليه أن يحترم صنع الله الذي جعلنا متعارفين بالتقوى والصدق والإخلاص والإخاء.