العمل من أجل ترشيد الجانب الثقافي شاق وصعب لأنه يصطدم مع قوالب صلبة وثوابت حساسة، إلا أن هذا العمل ضرورة ملحة إذا ما أردنا أن نؤسس لمجتمع رشيد عامل وأخلاقي، ولا ريب أن انتهاج طريق التعليم عبر ترسيخ التداول الفكري وعبر جو نقدي حقيقي يحقق الأماني بخير الأفراد والمجتمع وبالمستقبل الواعد بعلاقات مستقرة عادلة حرة، لأننا لا نستطيع أن نرتقي ونتطور على المستويين المحلي والعالمي إلا عبر حرية العلم والمعرفة وممارستها نقديا، ومن هنا تكمن أهمية الدراسات الفكرية الجادة في تأسيس رأي عام حر ومستنير لا يخضع لزخارف الإعلام ويحقق ما نبغيه من تفاعل سيال إيجابي، وهذا ما فعله الأخ والصديق د.علي الزميع في كتابه الأخير الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت، وهو دراسة متميزة يجب الاطلاع عليها، ينطلق المؤلف فيها من محاولة جادة لمعرفة التطور السياسي والاجتماعي في الكويت.
إن أي عملية تطور أو إصلاح اجتماعي وسياسي في واقعنا لا يمكن تحقيقها دون فهم لضرورة التفاعل مع الحالة الدينية بمختلف تنوعاتها، وعليه تهدف هذه الدراسة التي أعدها د.علي الزميع إلى استكمال رصد مسيرة وتطور أبرز التيارات الإسلامية السنية والشيعية على الساحة الكويتية واستعرض ما جرى بين عامي 1981 و2019.
وتنبع أهمية الدراسة من أن هذه التيارات الإسلامية الكويتية أدت أدوارا مؤثرة في الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي في الحقب التاريخية المتعاقبة ومازالت تؤدي أدوارا رئيسية تؤثر على المسارات السياسية والاجتماعية في وطننا الحبيب.
لقد نجح د.الزميع في الشفافية والتزم المصداقية الأخلاقية في دراسته، إذ تجاوز ذكر الكثير من الأمثلة والظواهر المؤججة سلبيا للمشاعر والمحيطة بحراك فصائل العمل الإسلامي حرصا منه على منع استغلالها في مناخ الفتنة الطائفية والمجتمعية القبلية والطبقية التي مازالت تستعر ولو جزئيا في المجتمع، ولقد كان حريصا على ذكر الحالة والقيم التي أفرزتها التزاما بالموضوعية وتجنبا لمحاولة البعض استغلالها في معارك التشويه المتبادل.
وقد أكد د.الزميع على أصالة الوجود الشيعي في الكويت وأنه قديم بقدمها، لأن الكويت كانت دائما منطقة جذب للباحثين عن تأمين معيشتهم أو حريتهم الدينية، وقد وفد الشيعة إليها من عدة مناطق من الأحساء والبحرين والعراق وإيران، وهكذا أصبحت جماعة الشيعة في الكويت مكونة من خليط من الأصول الإثنية التي دعمت التنوع المذهبي والثقافي والاجتماعي، مما رسخ الوجود التعددي والإخاء الاجتماعي في الكويت.
لقد خلقت المسيرة الديموقراطية في الكويت مناخا سياسيا واجتماعيا حفز التيارات الشيعية نحو الانصهار والتفاعل السياسي العام النشيط الذي دعم بدوره إعادة الكيان الشيعي إلى واجهة المجتمع والدولة بشكل قوي ومؤثر، مما أدى إلى انفتاح وطني واهتمام متعطش إلى التفاعل والسلم والتضامن الاجتماعي.
إننا مطالبون بالتمسك بهذه المكتسبات السياسية والاجتماعية والدينية ونحن نواجه تحديات، إلا أنني مؤمن بأصالة القيم الديموقراطية وصلابتها ورسوخها في الوجود الكويتي.
شكرا لك د.علي، ودمت بحب وعافية.