قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
جاءت الأديان وأرسل الرسل بالرسالات من أجل حكمة إلهية رسمها رب العالمين سبحانه وتعالى لكي يتعلم المخلوق أن خير ما يفعل في هذه الأرض هو إعمارها بالمحبة والخير والتسامح والسلام مع نفسه والآخر، ولذلك كان جوهر الرسالات الربانية هو مكارم الأخلاق، وقد بدأت مسيرتها التكاملية منذ بدأ الاختبار بآدم إلى نبينا الأعظم الخاتم لجميع الأنبياء ولذلك كان متمما لمكارم الأخلاق فهو الإنسان الكامل الذي أنقذ كل إنسان من وحل الرذيلة ومستنقع القاذورات الأخلاقية، ولقد انتشل الإنسان من المنحدرات والمنعطفات الشديدة لينطلق به نحو السمو ويرتقي به نحو رسوخ مكارم الأخلاق في ذاته، معلنا أن الالتزام الأخلاقي هو معيار بقاء الأمم الإنسانية وزوالها.
هناك من يحاول أن يفرق بين أمرين متلازمين، وهما الدين والأخلاق، عبر الادعاء بأنه يمكن للأخلاق أن تستغني عن الدين، وأن الدين لا لزوم له، وأن الأخلاق قد تكون ملاذا للإنسان! وهذا الفكر لا يصدر إلا عن منقوصي الثقافة ممن يعيشون التضخم في الذات والغرور والإعجاب بنفس لم تتخلق إلا بالتكبر والطغيان ولا تسعى إلا لسمعة زائفة أو انتقام من الآخر الذي يختلف معه.
إن الأخلاق تحتاج إلى مواصفات خاصة وطريقة إعداد متقنة وروح بشرية مستعدة لتقبل يؤدي إلى خلق حس الالتزام لدى الإنسان على أفضل مستوى، فالأخلاق ليست نصوص، وأفكار،، بل هي ممارسات وأفعال.
وهذا الالتزام واليقين لا يتولد من دوافع مادية، فإن الرؤية النفعية والمصلحة الخاصة كالأمواج التي تجعل الإنسان يرتطم يمينا ويسارا ولا مخرج من هذا الارتطام إلا باليقظة، يقظة الروح والأخلاق المجردة من انبعاث الروح لا تحقق هذه النتيجة أبدا لأن الإنسان كائن روحاني ذو قالب مادي وليس قالبا ماديا فارغا.
إن الأفكار والمعاني هي العالم الذي يحتضن الإنسان السوي المتألق إنسانيا، وهذا العالم عالم روحي معنوي معرفي له ارتباط بالبعد المادي لكنه ليس ماديا، والدين هو الكتاب الكوني الذي يشرح معاني الحياة الحقيقية، ومن هنا فإننا لا نبالغ إذا أكدنا أن الدين ليس أفيوناً للشعوب إذا ما فهم بشكل صحيح، كما أنه ليس ألعوبة بيد الطغاة لكنه يحتاج إلى أرواح تفهمه بدقة وتتعامل معه بصدق متفهمة دوره الأساس في التكامل البشري لتقام الحياة الروحية والمادية المستقيمة، من هنا كان الدين شعلة النور للخلق أجمعين، ومن لا يفهم فعليه إثم غبائه وطغيانه.