قال تعالى: (قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) الآية 100 من سورة المائدة.
من المفاهيم الخاطئة المنتشرة في عالم اليوم هو أن للكثرة قيمة ذاتية وأنها دليل على المصداقية والصحة والجودة، بل هناك من يرى في (الأكثر) برهانا على صدق الناس وحجة على صحة الأفعال والأقوال وموهبة إلهية!
و لكي يتبدد ظلام العقول الفارغة وضع لنا القرآن الكريم قواعد راسخة للارتقاء بالعقل عن طريق التفكر الناضج والمنضبط بقواعد العلم ليتمكن الإنسان من معرفة الحق وتمييز الخبيث من الطيب في كل شؤون حياته، ولا ريب أن الخبائث متنوعة وهي تولد أوهاما ورؤى منحرفة في الحياة وقضايا الناس ومن هنا حرصت جميع الشرائع على ضرورة قيام الإنسان بتحصين نفسه بالعلم والحكمة ليكون ذا رؤية منضبطة في شؤونه كلها وليصون نفسه من الضياع في تنافس محموم وراء الوهميات التي وجدت بسبب اختلال رؤيته وفساد تفكيره ولذلك فقد كان من الضروري لكل إنسان التزام الدقة والموضوعية والتعقل والتفكر قبل الإقدام على اي فعل في الحياة العامة والخاصة لكي يأمن من العواقب.
قد يقول البعض إن الأمور واضحة وظاهرة فلا نحتاج ذلك كله لكن واقعنا المتخلف يؤكد وجود الخلل بشدة وانتشار الاعوجاج في كل شيء، لذلك فإننا مطالبون بتغيير الواقع وصناعة زمن جديد متطور وإنتاج جيل متعلم بامتياز لتغيير مجتمعاتنا وتحويلها لتصبح دائرة من دوائر الإنتاج الإنساني الإبداعي المنظم والموزون بميزان العدالة والحرية الإنسانية مع حماية الدولة والمجتمع لكامل حريات الفرد وعدم خنقها مهما كانت الأسباب.
ان القاعدة الذهبية بأن الكثرة ليست معيارا للصواب تؤكد حقيقة أن الناس يميلون في ممارساتهم الى الشهوات والأمنيات ويعيشون في التخبطات روحيا وماديا رغم ان فطرتهم تقوم على حب الخير وفعل الحكمة، لكن التاريخ يشهد ان السبب الرئيسي لاختلال المجتمع البشري هو الانسياق وراء بهرجة الأكثر، ولذلك خاطب الله الفرد بلسان الترهيب والترغيب وهما جناحا التربية لينبهنا على عدم التسرع الى الإعجاب بما هو كثير، إذ ان الكثرة هي في الأعم الأغلب نتاج النفاق والأكاذيب وأرشدنا الى أن هذه كلها أوهام وأن الأجدر بالإنسان الواعي المؤمن أن ينبذها ولا يسمح لها بأن تؤثر عليه، بل لقد أرشدتنا الحكمة الى سمات إيجابية يجب ان يتحلى بها الفرد من وقار وحكمة وتبصر بالعواقب ليحيا حياة الارتقاء والوعي والعطاء لا ليخدر نفسه ومن حوله بغوغاء الأكثرية وهذيان الأكثر وتفاهاتها.