عندما نحلل واقعنا نصطدم بالتشابك الذي يعيش فيه عالمنا اليوم، وهو تشابك عجيب في نوعه وفريد بما يحمله من تناقضات وتغيرات واسعة، وللأسف فإن هذه الحالة قد خلقت في الغرب صعودا ثقافيا وفلسفيا وعلميا وتقنيا سريعا ولافتا للإعجاب، أما عالمنا العربي فإنه يثير الشفقة إذ يتراجع إلى مستويات من الجهل لم نشهدها من قبل.
ومن أقبح الجهل ما نشهده اليوم من منع الكتب والأعمال الفنية، وهذا ليس بجديد علينا بل إنه يحدث في كل يوم ومنذ سنوات طويلة، بل لقد شهد التاريخ محارق للكتب عبر الأزمنة، ولكن ما يميز الجهل في هذا الزمن هو أنه أصبح جهلا ثلاثي التركيب إذ إنه جهل بالشيء وجهل بالجهل بالشيء، والمصيبة العظمى أن الجهل اليوم قد تشرعن، ومن يخالفه فانه يتعرض للإقصاء عن الحياة العامة.
هذا ما تراه من خلال مشاهد العنف الذي يمارس على المنابع الثقافية ونحن نلتزم حبا في العلم والمعرفة والثقافة بأن نقدم المشكلات لنناقشها على طاولة النقد المتخصص لكى نعالج هذه الظاهرة.
إن الأمر ليس بسيطا فإننا لا نتحدث عن منع ممنهج فحسب بل نتحدث عن ثقافة زائفة سادت مجتمعنا اليوم ساهمت في وجود أفكار ومفاهيم زائفة أفسدت العقول والذوق الثقافي وتحول بعض أفراد المجتمع إلى إقصائيين وتكفيريين وبعضهم الآخر إلى منافقين ومطبلين.
ولا ريب أن أي مجتمع إنساني لا يحترم القيم ويقدس الأشخاص ويرضى بأن تهتك الحقوق وتقمع الحريات ويضحي بالإنسان في سبيل إرضاء الأقوياء فهو مجتمع فاشل.
والمجتمع الفاشل ثقافته غير ناضجة ولا يمكنها أن تنفتح على رحابة الفكر وآفاق المعرفة العلمية والروحانية بل ان ثقافته جوفاء تخشى النقد مهما كان خفيفا وهادئا لأنها ليست ثقافة حقيقية بل انها عبث يمارسه أدعياء الثقافة من أجل تضخيم ذواتهم وتحقيق مصالحهم الخاصة فقط.
إن أهل الثقافة الحقيقيين لا يلجأون إلى المنع والقسر، بل يحترمون إرادة الإنسان وحريته في التعرف على الثقافات ويدعون دائما إلى التسامح والتواصل وقراءه تراث سائر الحضارات والشعوب، إننا نحتاج إلى تأسيس المجتمع العلمي المرن وهذا لا يمكن أن يكون في جو الجمود والبؤس والوصاية والإقصاء والمنع، فان هذا هو الاستبداد بعينه، والإنسان لا يصبح إنسانا إلا إذا كان حرا في قراءته ونقده وأن يتقبل النقد من غيره أيضا.
ان مما يزيد الطين بلة تغلغل ثقافة التكفير وسوء الظن بالآخر، والعجب العجاب أن يتراجع الإنسان فلا يعتني بالاطلاع على حقائق الإسلام ومعارفه ولكنه في الوقت ذاته يحكم على هذا وذاك انطلاقا من رؤيته الناقصة لمفاهيم الدين.
هناك بيننا من يتقرب إلى الله بتحريم المعرفة ويرى في كل شيء صنما، وأعتقد أن بعض هؤلاء هم الأصنام التي يجب أن تكسر قبل أي شيء آخر حتى لا نضيع في جهالات العصور الوسطى المظلمة.