(أنت/ أنا) تعبر عن أهم إشكالية يعيشها العالم، ألا وهي إشكالية الهوية والتي تحدد مصير الأفراد والمجتمعات نحو الشراكة أو التنازع، والهويات موضوع مهم ليس من السهل تجاهله او معالجته، وما نقوم به في عالمنا الإسلامي من تجاهله لحساب فئة على حساب المجموعات الإنسانية الأخرى سيتسبب في انغلاق أصحاب الهويات على بعضهم البعض وهذا الانغلاق هو بوابة الصراعات والحروب الطويلة الأمد في العالم.
تتنوع الهويات ما بين هويات كبرى وصغرى، وهويات تابعة ومتبوعة، وهويات عليا ودنيا، وهويات قوية وضعيفة، وهويات أغلبية وأقلية، ورغم أن هذا تصنيف علمي يهدف إلى دراسة أثر الهوية على الفرد والمجتمع بأشكاله المتعددة إلا أنها كلها تؤكد أن الهوية قد تخلق اضطرابا في الوحدة الاجتماعية إن لم يتم ضبطه بالشكل السليم وبمنهجية علمية رصينة، ولذلك نحتاج إلى المعرفة والصدق والجرأة في ذلك، إن موضوع الهوية يرتبط بموضوعات أخرى تؤثر بشكل مباشر على نمط الحياة التي نعيشها كما في تموجات العولمة في حياتنا وتأثيرها على منظومة الحقوق والحريات ومنها ارتفاع/ انخفاض مستوى احترام حقوق الإنسان فكرا وممارسة في المجتمع إذ ان الحياة اليومية لا تزدهر بالانغلاق على الذات بل بالانفتاح على الجميع.
يجب أن نعلم أننا إذا أردنا أن نحيا بسلام إنساني وانسجام بشري فإننا نحتاج إلى التعامل مع التعددية في هوياتنا على أنها أمر إيجابي وأساسي للمشتركات الإنسانية وبذلك فإننا سنكون قد صنعنا نموذجا ناجحا للدولة القانونية/ الأخلاقية التي تحمى جميع من يعيش عليها وتحترم كل المجموعات الإنسانية وتتخذ من التعايش المتبادل إستراتيجية دائمة.
إن الهوية ارث اجتماعي يجب أن تضبطه النظم القانونية والفلسفات التي قامت عليها، ومن هذا المنطلق فإنه من غير المقبول وجود نصوص قانونية في جو عام من الاستبداد المقنع/ الطبقية المواربة/ العنصرية المتوارية بدعوى أنها لحماية المجتمع، بل هذا هو أسلوب من أساليب قمع الحريات والتعددية الإنسانية في المجتمع وممارسة علمية تهدف إلى التغلب علي الآخرين والسيطرة عليهم، ولا ريب أن ما ينشره البعض اليوم باسم المحافظة على العادات والتقاليد والدين ليس الا أسلوبا مكشوفا من أساليب ترسيخ الاستبداد والظلم الاجتماعي والإقصاء للآخر على حساب القيم والحريات.
إن عالمنا اليوم يواجه الكثير من الدعاوى المتطرفة من كل جانب تدعو إلى الانغلاق المتشدد على الهوية الخاصة وإساءة الظن بنوايا الآخر، ولعل الحروب الأخيرة في العالم لاسيما في عالمنا الإسلامي تؤكد ما أقول ولذلك يظل التحدي الأكبر أمامنا هو تغيير الثقافة العامة في عالمنا (الثالث) وإلغاء فقه السلطة والسياسة ليحل محله فقه الاجتماع وفقه الحريات والواجبات الإنسانية فبها سنرقى إلى مسار الحضارة والتقدم الإنساني.
لن تحترمنا الأمم من حولنا إلا إذا أثبتنا لهم علميا احترامنا الكامل للحرية في التعدد والتنوع وحماية حقوق الإنسان إننا مطالبون بالشراكة في تأسيس حياة كريمة يتعاون فيها الكل بمساواة حقيقية.