يعيش العالم الإسلامي أجواء مليئة بكثير من الجهل والفقر العاطفي والغياب المعرفي، وهذه حقيقة معلومة للكافة، لكن اسأل نفسك عن سبب الاستمرار في هذه الحالة، فستكتشف أن أهم الأسباب هو نظرة الإنسان إلى الحياة، سواء كانت الأشياء أو الأفكار تلك النظرة الطقوسية الفارغة من المعنى والحقيقة.
قال تعالى (ونفس وما ســـواها) وبذلك جعل النفس هي موطن التغيير الإنساني وجــــعل بذور التـــغيير في الضمير الإنســـاني اذ قــــال (فألهمها فجورها وتقواها) فأراد سبحانه الإرشاد لا الإجبار والإلهام لا الإقرار.
يروى أن رجلا اسمه مجاشع دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا رسول الله كيف الطريق إلى معرفة الحق؟ فقال: معرفة النفس، فقال له: يا رسول الله فكيف الطريق إلى موافقة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مخالفة النفس، فقال: يا رسول الله فكيف الطريق الى رضا الحق قال صلى الله عليه وسلم: سخط النفس.
لقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان هو الحجة والدليل على ذاته وأنه وان اعتذر وبرر أخطاءه إلا أنه يعلم ذاته وما تحويه وما فعلته يداه لأن هناك ضميرا قد غرس فيه يكشف الداخل المظلم دائما وينير طريق الخلاص بضوء الوعي الروحي مهما خفت.
من أجل ذلك فإن النفس هي الطريق لمعرفة الحقائق وصلاح الروح وهي سير وسلوك حقيقي ومباشر إلى بلوغ شجرة رضوان الله ونهر المعرفة الحقيقي وليس الوهمي وهذا الطريق ذو ثلاث محطات:
1-محطة المعرفة فأنت بمعرفتك لنفسك على حقيقتها تعلم الحق الذي يجب عليك وكيفية القيام به وليكن الحق هو في نقيض ما تشتهيه النفس وما لا تشتهيه، ولذا فإن طرف الإفراط كطرف التفريط فكلاهما مذموم إذا ما ارتبط بقاعدة النفس وشهوتها وليس بقاعدة الحق ومعرفة الحقيقة التي هي نور وعلم رباني.
2- محطة العمل، لأن الالتزام بالحق في الأعمال والتصرفات يحتاج الى كاشف ينير القلب بنور الثبات واليقين ولذلك فإن طريق المعرفة يتأسس عندما يبنى على المنهج العلمي والتفكير المنهجي.
3- محطة الأسباب، أعني بذلك أدوات النجاح التي توصل الى بلوغ المقصد الأساسي وهو رضا الحق والعنوان العام لمجموع الأسباب هذه يرتكز على الارتقاء بالروح بمدافعة النفس وعدم إرضائها بالشهوات والملذات علما بأن الشهوات لا تعني بالضرورة الماديات، بل إن أخطر أنواع الشهوات هو ما خفي في النفس من شهوات حب الذات وتضخم الأنا وشهوة السلطة والقدرة والقوة والظلم وادعاء الاصطفاء والعجب والغرور.
لقد أقسم الله بالنفس اللوامة لعظمتها، وسبب عظمتها أنها تحتاج إلى شجاعة فائقة من الإنسان في سبيل تغيير ذاته وتطويرها للأفضل وهذا هو الصراط المستقيم الذي جلس ابليس على قارعته ليغوي الإنسان جرأة على رب العزة سبحانه، فمن كان من جند الله حاز حبه سبحانه، ومن كان كذلك استحق أن يكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر.