النصر الإلهي غاية الغايات لدى الإنسان المؤمن وهو مبتغاه في كل أمر وفي كل حال لاسيما عندما لا يرى لنفسه قوة ولا حولا إلا من الله، ورغم أن الاتكال على الله هو أساس النجاح إلا أن الله يأمر الإنسان دائما ببذل جميع الأسباب المادية الكفيلة لتحقيق النصر والنجاح في تحصيل المقاصد الصالحة غير أن إعمال الأسباب شيء وحصول النصر باعتبارها النتيجة الكبرى شيء آخر.
نحن نؤمن بأن النصر الحقيقي هو من عند الله وأنه عطاء رباني بامتياز ولذلك أرشدنا الله إلى سبب النصر وأودع سر ذلك في اللجوء إليه سبحانه والاستغاثة به حينما قال (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) والاستغاثة هي الدعاء المحض من الإنسان إلى الله وهي الصلة العميقة بالله والالتجاء الحقيقي إليه سبحانه وتتنوع أشكال الاستغاثة، إلا أنها لا تكون إلا إذا صدرت من قلب خاشع صادق في التوجه إليه بإخلاص ويقين، ان الاستغاثة الصادقة تستجاب فورا لأن الكريم لا يرد أحدا ولذلك كان مدده سبحانه فوريا، ويتنوع المدد فمنه ما هو مادي وما هو معنوي ومنه ما هو مباشر وما هو غير مباشر، فعندما يمنحنا الله سبحانه وتعالي القلب المطمئن والروح المستقرة فإن هذا عطاء حقيقي أخبر عنه سبحانه في القرآن الكريم فقال (وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به) وهذه البشرى وجه من وجوه النصر (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) لأنه معنا دائما ومن كان الله معه فإنه لا يخاف أحدا، لقد أنجز الله للمؤمنين وعده بأنه (سيلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) ليتمم النصر لأوليائه.
يبارك الله فعل المؤمن ما دام ثباته وصبره قائما على أساس التقوى ونفع بني الإنسان، وما دام فعله خاليا من أهواء النفس وشهوات الدنيا ولذلك فإنه سبحانه يؤكد تأييده التام له (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ليعلمنا سبحانه درسا في الإيمان بحتمية الانتصار لعباده المؤمنين لكنه يعلمنا أيضا أنه ليس نصرا سحريا من عالم العجائب بل انه نصر يصنعه التضامن الإنساني والعمل والتخطيط والصبر كما في قوله تعالى (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) فإن التقوى والصبر هما الأساس التوحيدي والأخلاقي لحركة الإنسان وسيره نحو النصر ولا يرتقي إليهما الا الذين علم الله (ما في قلوبهم) من صدق/ صفاء/ اشراق وعندئذ ينزل الله الطمأنينة ويا له من جمال لا حدود له عندما يعيش الإنسان الفتح الإلهي في ذاته ويراه من بعد ذلك محققا على أرض الواقع وهنيئا لمن كان في عناية الله وعندئذ (ينصرك الله نصرا عزيزا).
هذا نموذج عمل يجب أن ينجزه المجتمع اليوم لكي تتحقق الحياة الطيبة بكل إشراقاتها وهذا لا يكون بالادعاءات الفارغة والتطرفات الظالمة.