إننا نعيش في رحاب هذا الكون في نظام سمته الأساسية التجدد والعطاء المتواصل؛ لنتعرف إلى الله بأرواحنا وبعقولنا ونحيا بذواتنا في ظل ملكوته تعالى بيقين وسكينة، إلا أن الأرواح الإنسانية لا تزال تتخبط سعيا وراء الشك، مما جعلها تتيه في خضم الفوضى الفكرية.
ان منظومتنا الفكرية مازالت عاجزة عن النهوض بالمجتمع لأنها لم تترك الجدل الى اليقين المعرفي بل الأدهى والأمر أن المؤسسات الأكاديمية غير حاضرة في ميادين العلوم والمعارف الانسانية بأنواعها، بل باتت تنبذ الحراك العلمي، مما تسبب في سبات عميق.
إننا نحتاج اليوم إلى يقظة روحية تنير الحياة وتفتح آفاقا واسعة نحو الكمال المنشود واليقين والازدهار، ويجب ان يعلم الكل انه اذا استمر نهج التسطيح وعدم الارتقاء بالنقد المعرفي وكبت الحرية العلمية وعدم إعطاء الأولوية لقراءة مجتمعاتنا نقديا من منطلق العلوم الإنسانية، فإننا سنستمر في التراجع نحو ثقافة التطرفات والتفاهات والتعصبات السوداء.
لقد أراد الله سبحانه أن يعرفنا بالمنهج لكي نسلكه وذلك بالبصيرة واذا حللنا كلمة «بصيرة» وجدناها تنتهى الى الجذر «بصر»، فالبصر هو أول طريق مباشر لتواصل الانسان مع العالم الخارجي، أما البصر الفكري فإنه الوسيلة التي من خلالها يمكن للإنسان ان يتعرف بدقة على الحقائق بالعلم والحكمة وتنتج عنه حالة الشهود لحقائق الواقع، كما أن البصيرة هي مثال لجمال الفطنة في إدارة الحياة لتكون إنسانية بامتياز وربانية بجدارة، إلا أن البصيرة لا تأتي إلا من فضيلتي الصدق وجهاد النفس.
هذه البصائر هي وسائل الهداية التي تعكس نور الفطرة وإشراق الضمير وهما أساس القيم النبيلة التي تعطي الإنسان رؤية صافية لضمان وجوده وتنير إرادته نحو الخير وتلهمه الحكمة.
سبيلنا إلى البصيرة المستنيرة ينحصر في الإرادة الحرة ومن خلال هذه الإرادة نستطيع الارتقاء بمجتمعاتنا ونخلق واقعا متميزا يطرد الأوهام والأكاذيب ويحمينا من الباطل.
إن عدو البصيرة هو التقليد فهو جهل يخلق زوايا مظلمة وشبهات ملتبسة في عقل وروح الإنسان، وتأتي منه جميع الأمراض الأخلاقية والانهزام الروحي وموت الضمير، ولذلك لابد لكي نحمي بصيرتنا أن نؤسسها على أساس علمي فلسفي نقدي حر، لأن موطن البصيرة هو في ثلاثية (التقوى/ الصبر/ الحكمة)، فالبصيرة هي أيقونة التكامل الإنساني بامتياز.