هناك ترويج لا نظير له للسلبية والسلبيات وجهود تبذل لإعاقة الفكر البشري عن التركيز على الاهتمامات الإيجابية ولذلك ظهرت مجموعة كبيرة في عصرنا هذا الذي أطلق عليه عصر ما بعد السرعة أو الذي أسميه عصر اللاتوازن بسبب بعض التافهين الذين سيطروا على ووسائل التواصل الاجتماعي وأصبحوا نماذج عالمية لأسباب كثيرة من أهمها ما نلاحظه من انقلاب مفهوم العمل في المجتمعات، فلقد أصبحت المهنة وظيفة للتكسب ووسيلة للبقاء في مستوى معيشي افتراضي لا يلبي الحاجات الواقعية ولا ينظر الى الإنجاز هدفا في الحياة العملية، وهذا نراه فعلا فيمن يعمل عشر ساعات يوميا ويكون إنجازه وضع قطعة كمالية في سيارة ولكنه لا يجيد إصلاح عطل بسيط مهم في هذه السيارة ومثل من ينتج غذاء لا يقدر على شرائه، ولذلك انحدر مفهوم العمل إلى مستوى غير مسبوق وباتت الأشياء بلا غاية واضحة فدخل غير الأكفاء وتحول العمل إلى مجرد أنماط يقوم بها أولئك الذين لا يملكون علما أو مهارة حقيقية ولذلك أصبحنا نرى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي يتسيدون المشهد الإعلامي ويشيئون التوافه.
أما السبب الآخر فهو الانحدار السياسي وحكم التكنوقراط واستبدال الإرادة الشعبية بالمقبولية الاجتماعية، ومن هنا بدأت سيطرة بعض التافهين، إذ جاء التكنوقراط إلى الحكم واستبدلوا السياسة بمفهوم الحوكمة واستبدلوا الإرادة الشعبية بمفهوم (المقبولية الاجتماعية) والمواطن بمقولة (الشريك) وفي النهاية صار الشأن العام تقنية إدارة لا منظومة قيم ومثل ومبادئ ومفاهيم عليا وصارت الدولة مجرد شركة خاصة، وصارت المصلحة العامة مفهوما مغلوطا لحماية مصالح البعض وصار السياسي مجرد لاعب سيرك يعمل لمصلحة (زمرته) وحسب ويعيش وفقا لقواعد ألعاب الإلهاء العام.
وتحول النجاح في ظل نظام التفاهة إلى أن تلعب لعبة من تنميط العمل وتفريغ السياسة وتقزيم الشأن العام وصارت التفاهة نظاما كاملا فلم يعد هناك شأن إنساني ولا مبادئ قائمة على الحقوق والحريات العامة بل هي مجرد (لعبة) حتى ان العبارة نفسها راجت في كل المجالات واللغات ففي عالمنا اليوم يجب (أن تلعب اللعبة) لتصبح ناجحا.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن كيفية القضاء على التفاهة في حياتنا ولا ريب انه لا يوجد علاج سحري لهذا الداء العالمي ولكن لا يشك احد في أن سر وجودنا يكمن في إرادتنا الواعية فهل تسعفنا قبل الضياع؟