في حوار بيني وبين أحد المحللين السياسيين الأوروبيين تم التطرق إلى أهمية النص الأدبي وأثره في عصرنا الراهن في تشكيل الرأي العام سواء في بُعده السياسي أو الاجتماعي، وقد ذكّرني هذا الحوار الجاد برواية «آيات شيطانية» لسلمان رشدي التي أثارت لغطا واسعا شديدا في العالم، الأمر الذي جعل شخصا كالإمام الخميني يعبر عن موقف صارم تجاهها، ورغم التباين في الآراء فلقد كان من المهم بيان ما يلي:
1- إن رواية «آيات شيطانية» هي في الحقيقة تمثيل أدبي حول قضايا أنثروبولوجية مثل الدين، الجندر، الجنس، الهجرة، الهوية الثقافية.
2- لقد كانت رواية «آيات شيطانية» فعلا سياسيا بامتياز، وقد كانت آثارها السياسية مؤثرة جدا اثنوغرافياً، وقد ساهمت في تشويه سمعة كل من ينتمي إلى العالم الإسلامي، لاسيما أولئك الذين يعيشون في المهجر الأوروبي.
3- انطلقت رواية «آيات شيطانية» من الانثروبولوجيا، وهذا العلم قد نشأ منذ البدء بصفته جزءا من مشروع عصر التنوير لكتابة ما يوصف عادة بأنه تاريخ شامل وهو يقوم على المشاهدة والتسجيل، ومن ثم يقوم بإعادة تشكيل الخطاب وفرض تجانس من نوع خاص يصنعه هو فقط.
4- هناك نماذج من التمثيل الأثنوغرافي نشأت بوصفها جزءا لا يتجزأ من التوسع الأوروبي الاستعماري، وذلك سعيا منها لفهم الشعوب كي تتم السيطرة عليها وسهولة استغلالها وسرقة ثرواتها، ولذلك تم توظيف علم الاثنوغرافيا لخدمة الهيمنة الأوروبية، ورغم أنه علم مهم جدا إلا أنه تلوث أخلاقيا وتم توظيفه وتمكين البعض لممارسته خدمة للإمبريالية ومشاريعها اللاإنسانية.
5- إن القوة الإمبريالية أفصحت عن نفسها في عدة أشكال من الكتابة ومنها الرواية، وعلى سبيل المثال فإن رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية» مثال متميز لرواية ونص أدبي نتج عن المواجهة بين الحداثة الغربية والآخرين ممن يتمسك بهويته غير الغربية ممن يسعى الأنثروبولوجيون عادة إلى فهمه أو إعادة تشكيله، وهي مراجعة سياسية/ ثقافية صارمة، فرواية «آيات شيطانية» مرآة لهذه المواجهة.
لقد احتفل القراء الأوروبيون برواية الآيات الشيطانية لا لحقدهم على الإسلام، بل لأنها تعرض عليهم روايات كلية عن الحداثة الغربية تتعارض مع النصوص الإسلامية التي يحاول المهاجرون المسلمون إلى أوروبا تأطير هويتهم بواسطة التمسك بها، وهو خطأ كبير وقتل النهوض الإسلامي في مهده.