نسمع بين الحين والآخر من بعض قيادات المؤسسات الدينية أنهم يطورون الخطاب الديني من أجل ترسيخ الوسطية، لكننا للأسف لا نرى أثرا واضحا لها، وإنني إذ لا أؤمن بصواب تدخل المؤسسات الدينية في شؤون الدين إلا أن بعض من ينتسب إليها يمتلك النية الحقيقية لتغيير المفاهيم المغلوطة لدى بعض الناس، لكن هذا لا يكفي إذ لابد فعليا من السعي الحقيقي والجاد نحو تسمية (التسامح) على رأس أولويات الأعمال الحكومية والمجتمعية، ولذلك أعجبني ما قامت به «كونا» قبل أيام عندما وقعت على «ميثاق وكالات الأنباء للتسامح»، هذا الميثاق الذي صدر من القمة العالمية للحكومات الذي عقد في مدينة دبي التي تتوهج دائما بأداء متميز وعمل مبدع غير مسبوق، ولقد قامت فيما مضى بتطوير مفهوم السعادة ليصبح برنامجا عمليا وهدفا استراتيجيا لحكومتها، وعينت وزيرة لهذا الغرض، وهذا يؤكد وجود إيمان حقيقي بالقيم الإنسانية التواصلية ودورها المهم والحيوي في خلق حركة وعي حضاري متجددة في هذا الجزء من العالم.
واليوم يأتي دور قيمة التسامح ولما كان الإعلام اليوم يتدخل بشكل مباشر في حياة الناس من خلال بث عدد كبير من المفاهيم السلبية، لذا كان الاهتمام بترسيخ مفاهيم الإيجابية وقيم التسامح واجبا إنسانيا بامتياز لاسيما في ظل التوحش والتشرذم وثقافة الكراهية والتطرف في العالم.
لقد قامت «كونا» بالاهتمام المشكور بالتوقيع على البيان إيمانا منها بأهميته وللترويج لمفاهيم التسامح وزيادة المودة والمحبة بين الشعوب والدول مع احترام التعددية والتنوع فيما بينها وهذا ما نريده في الكويت اليوم، لاسيما ونحن نسمع ونرى بين الحين والآخر دعاة ينفثون سموم الفتن والكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن والدين الواحد.
لقد زار بابا الفاتيكان منطقتنا ليلتقي بالمسلمين وهذه مبادرة طيبة من قائد ديني كبير له تاريخه الطويل في حماية الفقراء واحترام الديانات إلا أن ذلك لن يثمر أي خير للناس إلا حين نقابله بالمثل وهذا لا يكون باحترام إيمان الآخرين وعدم السماح لأي أحد من أي دين أو طائفة أو مذهب بأن يستخف بمعتقداتهم، وإن كنا نخالفهم فإن الخلاف لا يعني عدم الاحترام.