المثقف العربي ليس مؤثرا لأن حظه من الثقافة إعداد الكتب ورصف الكلمات الجوفاء فقط، ويبلغ المثقف أدنى حد من اللاتوازن حينما يتلاشى عمله أمام بريق الترف، كهذا الذي يعيش في فرنسا منذ نصف قرن ويتمتع بكل مزايا الحياة الحرة في أوروبا لكنه يركب قطارا مليئا بالغرابيب السود والناعقين الحمر وغيرهم لكي يبيع الوهم لغيره وهو ممن لا تعنيه الديانة في شيء، بل قضى حياته الفكرية يدعو لدولة بلا دين ويدعو لقمع المؤسسة الدينية، لكنك تجده متورطا في صفقات تعاون مع أكثر المتطرفين الدينيين تشددا، بل تراه يتحول إلى متدين فيزور الجامع الأموي بدمشق فتستفزه زيارة بعض المسلمين له ثم ينقلب إلى طائفي فيرى -كما يقول- أربع مجموعات نساء ورجال يوحدهم اللباس الأسود ويتوسطهم رجل يقرأ وينتحب وهم يصرخون فيقول بعد ذلك لمن يحاوره وهو في باريس (إن سورية لم تعد لنا).
إنه والله المنطق الأعرج، فيا للعجب! فتارة تراه يتشدق بأن سورية بلد ذو حضارة قديمة جدا استوعبت كل الأديان والأعراق، ثم بعد ذلك لا تعجبه التعددية بل ينظر إلى غيره وكأنهم من عالم آخر وهذا هو شأن كل من لا يملك مبدأ مستنيرا حقيقيا.
إن الثقافة والعلم ليس بتسطير الكتب، بل إنها نتاج عقل واسع ومعرفة بحقائق الواقع وصدق وإخلاص وشجاعة.
إن تحطيم نظام العبودية في أي بلد لا يأتي من خلال الضعف المستورد وأجندات الجغرافيا السياسية الأممية، ولكن من خلال محاربة الفساد والظلم بإخلاص، وهذا الإخلاص يفتقده من يراهن على النظام الدولي الأحادي القطب، لقد كنت أيها المثقف تكيل العداء الكبير للأيديولوجيا، فكيف أصبحت اليوم أحد ممارسيها ودعاتها، وأعلم أن أي نجاح ترتجيه لن يكون عبر أجندات الآخرين أبدا.
إنني أعلم أن السكنى في الأجواء الباردة تقلل من التحفز والنشاط وهذا ما يعيشه أي مثقف غير صادق اليوم، لكن المشكلة أن هناك من قبض الثمن ويسكن الأبراج الأنيقة، أما الشعب المسكين فقد أسلموه للأوهام ومازال يسكن الملاجئ والمخيمات.
إنني أتمنى فعلا أن نشهد ولادة فكر جديد لكي نتخلص من بيع الذمم والأيديولوجيات العابرة للمحيطات لكي نعيش في عالم أكثر أمنا واستقرارا.