أرسلت لي دعوة كريمة من أمين عام الإفتاء في سلطنة عمان الشقيقة العلامة الكبير الشيخ احمد بن سعود السيابي دامت توفيقاته، وهو عالم جليل من علماء المذهب الأباضي في سلطنة عمان.
تعتبر الحركة العلمية والثقافية العمانية تجربة غنية جديرة بأن تحتذى، وهي أصدق تعبير وأنموذج للتسامح الإنساني في أبهى وأجلى صوره، إن لعمان وأهلها وسلطانها مكانة خاصة ومحبة غامرة فلقد شهدت منهم السماحة ومكارم الأخلاق والأدب الرفيع والتواضع الجميل والعلم الغزير والخير الكثير.
إن للشخصية العمانية مذاق خاص فهي شخصية منفتحة تقرأ ذاتها باستمرار وتبدع في النقد بكافة أنواعه وتتعامل بانفتاح تام مع الآخر، تطبق من خلاله قواعد المودة المتقابلة من احترام الآخر وقبوله بخصوصياته دون ممارسة أدنى ضغط لتغييرها وبذلك نجح المجتمع العماني بجميع صوره في التعايش المشترك.
وتتميز عمان بالتسامح في ظل الدولة المدنية الحديثة التي ترتكز على أربعة خصائص وهي التزام الفرد بسلطة الدولة والثانية أنها تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات والثقة المتبادلة، والثالثة أنها تقوم على المواطنة العادلة لجميع الأفراد، والرابعة أن نظام الحكم فيها يقوم على نظام الشورى والتداول الديموقراطي.
لقد انتقلت عمان بحكم السلطان قابوس بداية من عام 1970 من دولة مؤسسية ذات هياكل تقليدية إلى دولة مدنية حديثة ذات مؤسسات وتنظيم قانوني معاصر، وهذه خطوة مهمة تساعد على الحفاظ على التسامح والتعايش في الداخل لتطوير المجتمع الإنساني في نظام دولة المؤسسات والقانون.
لذا أصبحت ثقافة الدولة المدنية بشقيها المؤسسي والقانوني ضرورة ملحة في عمان ولا ريب أن الصيرورة المجتمعية متطورة وفق مفردات الزمان والمكان وانعكاساته وأنه لا تعارض بين الدولة المدنية والأديان والمذاهب، لأن الله تعالى أعطى العقل البشري كامل الحرية في نظام الحكم واختيار آلية الإدارة وذلك لكي لا تطغى أصوات متطرفة تختزل الدولة في نظام ما ضوي وتكفر الأنظمة الحديثة نتيجة خطابات سطحية مما يضر بحالة التسامح والتعايش بين الناس.
يجب علينا أن نحترم القانون من جهة وان نلتزم العدل في تطبيقه من جهة أخرى مع احترام حريات المعتقد والتفكير والإبداع فإن في ذلك كله صمام أمان لحفظ المجتمع وتجانسه وتسامحه، وهكذا كانت عمان ومازالت وستظل بإذن الله.