في عالمنا الإسلامي مازال البعض يخنق الحقائق متخيلا أنها تموت ويحاول اغتيال الذكريات ويطمس بصمات شخصيات لكن دون جدوى.
إن عمليات تزوير الشخصيات قائمة على قدم وساق لكن البريق لا يكون للصدأ بل للذهب الابريز.
إن الاستغراق في إثارة الجدليات وصناعة الأوهام تثقل عقول الناس وتشغلها عن البحث الحر والإبداع الحقيقي ولذا لن تحظى بمجتمع متقدم او أفراد متميزين أبدا فإن الحرية والعلم هما اللذان يبنيان الحضارة وليس التشرذم وفقا لبورصة المصالح والأيديولوجيا.
أتمنى أن تعتدل المسارات في مجتمعاتنا لكي لا تسير بنا قاطرات الفحم إلى نقطة اللاعودة.
لقد سعدت بثلاثة كتب أرسلها لي الصديق العزيز الدكتور علي الديري وهو مثقف بحراني متميز ذو تراث ثر ومتألق تتحدث كلها حول رائدات تناساهن الدهر، إنهن نسوة علمن أجيالا من بنات وأبناء البحرين القرآن الكريم والتاريخ ومكارم الأخلاق في زمن لم يكن فيه تعليم أكاديمي حديث وفي ظل ظروف حياتية معيشية صعبة للغاية إلا أن تلك النسوة الطاهرات قدمن كل ما يملكن من أجل خلق جيل ذي إنسانية راقية وذي أخلاق رفيعة وإحساس كامل بكرامتها التي أبى الله إلا أن يمنحها لكل مخلوق في الكون.
لقد كانت جداتنا أديبات برعن في فن الخطابة وفي الشعر والنثر والتاريخ ولقد كن يجسدن النموذج الراقي للمعلمة المربية الملتزمة بمنهج واضح ومحدد ولقد كان الصبر رائدهن في ذلك كله تقول إحداهن (الصبر ليس حروفا ومفهوما تتناقله الكتب بل تجربة حياة).
لقد واجهن الحياة بحق لكن تجربتهن النسوية تتميز بأنها لصيقة بالهموم الحقيقية في الحياة وليس بالتافه وبالغرور بشهوات النفس الزائلة ولذلك فلقد صنعن حياة جديرة بالتقدير ويذكرها الأحفاد مهما بعدت بهم الديار.
يقول صديقي الذي كتب سيرتهن في درر ثلاث: «الإنسان كائن مبدع يحول كل شيء يعتمل فيه إلى شكل فني يبلغ عن جرح غائر فيه أو يروي حكاية جرح في لا وعيه» وهذه حقيقة فالإنسان كيان خطير وعتيد يصنع من الفشل نجاحا مبهرا ومن الموت حياة خالدة كما يصنع من الحزن والألم آمالا عظيمة وصندوق موسيقى تفرح القاصي والداني.
لقد كانت جداتنا الطاهرات يسطرن بقلم عشق الطيبين الطاهرين أسفارا وألواحا من وصايا فريدة من نوعها بثت القدرة في القلوب وصنعت بالسمو نماذج ينبغي أن يسمع عنها كل ذي روح.
اننا ما زلنا وسنظل نتعلم منهن الإباء وسمو النفس فإنهن الحركة النسوية الحقيقية وهي وان تنساها البعض إلا أنها تفرض وجودها مهما تقادمت السنون لأنها متجذرة في كل روح طيبة.