من أجمل كتب التراث العربي والإسلامي الحضاري كتاب الأبشيهي المشهور المعروف بالمستطرف من كل فن مستطرف وهو كتاب يجمع بين دفتيه العديد من درر المعارف ونوادر الحكم وقد قام المؤلف رحمه الله بتقسيمها وفقا للموضوعات العلمية المتنوعة وذلك بأسلوب شيق وبجودة واقتدار وفق خطة منهجية رائعة جعلت الكتاب لوحة فكرية راقية يستفيد منها المتخصص وغير المتخصص في كل علم من علوم الأوائل والأواخر مثل علوم اللغة والأدب والعلوم الدينية والتاريخ والجغرافيا وعلوم الطبيعة وسائر صنوف المعرفة، وهو جهد جميل جدا من عالم مازال مغمورا في ذاكرة التاريخ، إلا أنه أنموذج يؤكد لنا على حقيقة أن الاستيعاب الشامل لكل العلوم والسعي الجاد لبناء شبكة معرفية شاملة هو الملاذ الوحيد للإنسان ليرتقي بذاته ويسمو بمجتمعه نحو الأفضل، ولقد كان حال أمتنا العربية أفضل بكثير عندما كنا نقرأ (المستطرف) وأمثاله ويشجعنا أساتذتنا على الاطلاع على كل ما تنتجه العقول الإنسانية بكل أطيافها وألوانها ونتعلم من التراث كيف نصنع مسارات مستقبل زاخر عبر التضامن الوجداني الذي يرتكز على حب المعرفة والفضائل والحرية في التفكير النقدي الذي هو الأساس الذي يحمي أخلاقيات الحضارات والمجتمعات ولا يهدمها.
إن العودة إلى المنابع الثقافية تجدد الدماء وتحيي خلايا الروح، فإننا في عصر يكاد الواحد منا يحافظ فيه على وجدانه وبنائه الروحي بشق الأنفس، يجب علينا أن نبحث عن قيم طفولتنا البريئة التي ضاعت في خضم عالم بات ظلامه أكثر من إشراقاته، فباتت النفوس فيه تعيش في كهوف الرغبات الجامحة والنفوس المضطربة ولكن لا ينبغي أن يطول بحثنا لأن ما فقدناه مازالت بقيته فينا، وما تفصلنا عن استرداده إلا خطوة بسيطة فقط.
إن هدفنا في يومنا الحاضر ينبغي أن يكون استعادة هذا الجوهر المتلألئ الذي تجاهلناه في خضم رحلة الحياة العاصفة ولكي نستعيد شيئا يجب أن نجعله بالفعل هدفا نؤمن بأهميته ونسعى بجد لإنجازه.
٭ كلمة أخيرة: من أهم ما ينبغي أن نرسخه في داخلنا هو الثقة بالذات والثقة بالهدف، لذا انتخب لك من تراثنا الرائع ما قاله الإمام موسى الكاظم عليه السلام للعالم هشام بن الحكم (يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس في يدك لؤلؤة ما نفعك وانت تعلم أنها جوزة ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس إنها جوزة ما ضرك وانت تعلم أنها لؤلؤة) انه تحدي بناء الضمير فتأمل.