ثمة اعتقاد ان الصفحات الاقتصادية متخصصة و«غير شعبية» ان صح التعبير، وان القراء يفضلون أخبار الرياضة والفن أولا يليها الأخبار السياسية للمهتمين بأهل السياسة. لكن ماذا لو اصبح الاقتصاد حدثا شعبيا، فنيا ورياضيا وسياسيا؟ لا شك انه سيستحوذ على اهتمام كثيرين، وربما يصبح مفضلا لديهم إذا أحسن توظيفه ليكون ملاحقا لاهتمامات القراء وحاجاتهم. هناك مصطلحات اقتصادية مزعجة للبعض، فثمة من يقلب الصفحة عندما يرى كلمات «تضخم»، «الإنفاق الرأسمالي»، «هوامش الربحية» وغيرها.
وهي فعلا مصطلحات مزعجة إذا ما قورنت مع بساطة اخبار ضربات الترجيح لميسي وغريمه رونالدو والمناورات بين الفريقين اللدودين أبناء البلد الواحد برشلونة وريال مدريد، والمؤامرات التي تنسجها صحافة الباباراتزي حولهما، ليكتشف القارئ انه قد يضيع ساعات في متابعة أخبار غير مهمة لكنها ممتعة لحد التخمة، بينما لا يفوت دقيقة واحدة لمعرفة خبر اقتصادي ربما يؤثر على حياته اليومية ومستقبله ومستقبل أولاده.
فلماذا لا يصبح الاقتصاد لعبة رياضية، او مجرد رياضيات مسلية؟ أليس لدى الرياضة اهتمامات اقتصادية، وأليس لدى السياسة شأن في البزنس؟ وإلا لماذا كل هذه المبالغ التي تدفع على اللاعبين والملاعب، في الكويت كما في إسبانيا؟! ولماذا كل هذا الإنفاق على الحملات الانتخابية، أيضا في الكويت كما في هونولولوه؟ حتى الفنانات والفنانون مالئو الدنيا وشاغلو الناس، كل ما يسعون اليه هو المال، او اقتصاد في اقتصاد! وإلا لماذا تصرف الملايين على نانسي عجرم لتشرب زجاجة مشروبات غازية في اعلان من 30 ثانية. إذن الاقتصاد في كل مكان وليس مجموعة مصلحات معقدة «دمها ثقيل».
وحتى التضخم، ومع انه من الأحاديث اليومية للناس، الا ان البعض يعتقد انه مصطلح «ما ينبلع»، رغم انه يتعاطى في شأن الأغذية والألبسة والسكن وغيرها من الأمور الحياتية التي ترتفع أسعارها يوما بعد آخر آكلة رواتبنا شيئا فشيئا، فمهما صعدت هذه الأخيرة، نلقى انفسنا نستهلكها بسرعة، وقبل ان يصل منتصف الشهر تكون قد طارت، فنبدأ بالتحلطم مطالبين الحكومة بزيادتها او نرمي المشكلة على جشع التجار..أرأيتم، اننا نتحدث بأمور اقتصادية من دون ان نعلم، وربما أكثر مما نتكلم عن ميسي ورونالدو.. والشيء بالشيء يذكر، فهوامش الربحية ليست بعيدة عنا كثيرا، فالكل يسأل عن فائدة القروض المصرفية والودائع او المرابحة، واغلب الناس مقترضة او تنوي الاقتراض وآخرون لديهم سيولة يريدون استثمارها على شكل وديعة، والجميع يبحث عن الفائدة الأقل للقروض والأعلى للوديعة وعن الخدمات المصرفية الأفضل، والبنوك تحقق اغلب أرباحها من فرق فائدة القروض مع فرق الودائع، من هنا هامش ربحيتها، ومن هنا الإجابة عن أسئلتنا عن القروض والودائع..ولدى كل واحد منا وجهة نظر مصرفية، نحب مثلا البنك الفلاني لأنه يوفر لنا خدمات معينة، يعطينا المال ونودع لديه حلالنا، وندافع عنه كما لو كان فريقنا الرياضي المفضل..مرة أخرى الاقتصاد يعيش معنا أكثر مما نعتقد ونحبه أكثر من ميسي ونانسي.. أما الإنفاق الرأسمالي فهو الجسور والطرقات والجامعات والمستشفيات والبنى التحتية التي نعيش معها كل لحظاتنا الجميلة والبشعة، فعندما نلعن الزحمة صباحا، ففعليا نكون في صدد توجيه رسالة للحكومة لزيادة الإنفاق من رأسمالها لإنشاء طرقات جديدة وجسور.
وعندما نقف في طابور منتظري السكن الحكومي أو منزل العمر، يعني أننا ننتظر تجهيز البنى التحتية لمناطق سكنية جديدة، وكلها أمور اقتصادية ممزوجة بالسياسة يتحدث فيها الصغير والكبير.
ثمة من يؤخر زواجه اليوم لأن أسعار المساكن مرتفعة، وثمة من يرفع ثمن الوحدات السكنية لان عدد حالات الطلاق في ازدياد..أرأيتم مرة ثالثة الاقتصاد يعيش معنا وفينا..في حلنا وترحالنا..من هذا الاقتصاد ولعبته الشيقة حينا والمتعبة أحيانا كثيرة، سنسدد أهدافا في ملعب صفحاتنا اليومية، وقد نصيب المرمى أحيانا وقد لا نصيب، حالنا كحال أمهر اللاعبين واغلاهم ثمنا، لكن حتما سنعمل كفريق واحد يتقاذف الكرة يمينا ويسارا ليصيب المرمى.
boumeree@