المقابلة الصحافية التي أجراها نائب رئيس مجلس مفوضي هيئة أسواق المال د.مهدي الجزاف، وعرضتها «الأنباء» في عددها أمس يجب التوقف عندها لأنها تعتبر محطة مفصلية تؤسس للفترة المقبلة:
٭ أولا، وجه الجزاف رسائل واضحة للسوق بأن الهيئة ليست متعسفة كما يشاع، وقدم حقائق على ذلك، حيث شرح آلية تحويل المشتبه في تداولاتهم، وهو اجراء مطلوب بالقانون واللائحة التنفيذية له وليس تعسفيا او كيديا، من دون أن يكون لديه حرج من القول إن نحو نصف القضايا المشتبه فيها تم حفظها بالنيابة، في اشارة الى احترام الهيئة لاستقلالية مؤسسة رقابية وقضائية اخرى. كما قال الجزاف انه تم تنبيه نحو 50% من المشتبه في تداولاتهم. وأغلب الظن أن الهيئة نبهتهم لأنها تتفهم ان قواعدها جديدة وربما لم تصل المعلومات الى الجميع، خصوصا أن الوضع كان أشبه بالفوضى المالية قبل تأسيس الهيئة. ان هذا الامر يبرئ ساحة الهيئة بأنها كانت خلف التأثير في انخفاض السوق بتوقيفها لمتلاعبين بالأسهم.
٭ ثانيا، دار جدل كبير حول تعديل قانون الهيئة، بعضه فارغ وآخر ربما له منطق يبرره، وكانت التوقعات بأن يكون موقف الهيئة عكس المجادلين، وبأنها ضد التعديل ـ ربما بنظرية «العين بالعين والسن بالسن» ـ لكن الهيئة ارتقت على ذلك، وكان كلام الجزاف من موقع المسؤول اذ قال انه «لا مشكلة اذا كان التعديل للصالح العام» وان قانون الهيئة كأي قانون وضعه البشر، ووجه شكرا للنواب، وهذا دليل آخر على احترام المؤسسة البرلمانية من دون أن يشكك في نوايا المطالبين بالتعديل بل نظر للأمور بشكل عام وليس شخصيا. وذهب أبعد من ذلك باعترافه بأن الهيئة واجهت بعض المعرقلات في تفسير نصوص القانون (وربما ذلك أخر عملها)، لكن كان عليها التنفيذ احتراما للقانون. ووجه رسالة بأن الهيئة ترى أنه من الافضل أن يمر المجلس التأسيسي الأول، ثم يخرج الاخير بخارطة طريق لما يفترض تعديله بعد ملاحظة التطبيق على ارض الواقع.
٭ ثالثا، والاهم، أعاد الجزاف تمرير الرسالة التي سبق ان قالتها الهيئة عقب اجتماعها الاخير مع غرفة تجارة وصناعة الكويت، بأنها مرنة وأبوابها مفتوحة للجميع، خصوصا فيما يتعلق بتطبيق معايير الحوكمة. وقد اعطت فترة كافية للتطبيق (نحو سنة ونصف السنة)، وتنتظر تقارير دورية من الشركات، وربما تؤجله بعد تحليل هذه التقارير. اضف الى ذلك ان الجزاف اوضح ان غرض الحوكمة هو حماية المساهمين (واغلبهم مواطنون بطبيعة الحال) عبر التأكد من ان مجلس الادارة يقوم بواجبه لمصلحة الشركة وليس لمصالح خاصة، ان ثمة اعضاء مستقلين يراقبون تطبيق الاستراتيجية. ولمح الجزاف ان هناك شركات طبقت ذلك بلا مشاكل.
***
في الواقع، ان كلام الهيئة امس على لسان الجزاف أظهر أن هناك مؤسسة تنظر للأمور أبعد من مجرد متابعة مضاربة يومية هنا، أو شركة تريد العمل بالطريقة القديمة هناك. من الواضح أن هناك عملا مؤسساتيا يجري بناؤه في الهيئة، وهناك رؤية واستراتيجية وأهداف، وهو امر يفترض أنه ظهر من العدم، ولا شك انه مضن في بلد تاريخ بورصته مليء بقصص الاحتيال والتلاعب والغش وحتى بأكبر أزمة بورصوية في العالم. ورغم ان البعض عاب على الهيئة التأخر في الرد والاجابة عن تأسيس صندوقه او الموافقة على ادراج شركته أو غيرها من الردود المتأخرة، الا ان ـ ربما ـ المهمة الشاقة لمرحلة التأسيس تبرر ذلك. ومع ذلك، نتفهم وجهة نظر عالم البيزنس بأن الوقت يعني مالا، وأن التأخير يعني خسارة هذا المال (افتراضا)، غير أن المصلحة العامة احيانا يفترض أن تتجاوز مصالح البعض. تبقى مشكلة المشاكل في الهيئة نفسها، وهي قلة ظهورها الاعلامي الذي يفتح المجال للتأويل والثرثرة رغم ان لديها الكثير لتقوله بين الحين والآخر.
boumeree@
[email protected]