تكثر الاستحواذات هذه الأيام في السوق الكويتية. وكل يوم هناك عرض استحواذ أو إتمام استحواذ من شركة على أخرى. هذا ما نراه منشورا في البورصة الكويتية، لكن هناك ما يتم خارجها، من استحواذات لشركات غير مدرجة على اخرى غير مدرجة، وكانت «الانباء» عرضت تقريرا عن 1.6 مليار دولار استحواذات واندماجات في الكويت في 6 اشهر وبنمو 40%، ومعظم المنفذين لاعبون خارج البورصة.
يعني ذلك ان الشركات تتحرك ولديها سيولة أو يمكنها تأمين سيولة عبر البنوك، ويعني أيضا ان البنوك ارتفعت شهيتها الاقراضية، وأصبحت مشاركة في صناعة التوجه الجديد.
هذا الامر سيغير قواعد اللعبة في المشهد الاقتصادي الكويتي عما قريب. ستكون هناك شركات اكبر. المستحوذ سيصبح اكبر، والمستحوذ عليه سيضخ فيه دماء جديدة، والمفترض ان تكون سيولة اكثر مع تحديث للادارة، كما تجري العادة من تغييرات يفرضها المستحوذ ليحسن فيها اداء الشركة المستحوذ عليها، فهو يرى فرص نمو فيها لا يراها ملاك الشركة الرئيسيون احيانا كثيرة، أو لم يعودوا يريدون تطويرها ويفضلون التخارج وجاءهم السعر المناسب. ولكل استحواذ ظروفه، وليس مطلوبا ان يكون هناك غالب ومغلوب فيها.
اللافت فيما يجري ان كل ذلك يتم من دون «فرقعة» اعلامية، ويتم أيضا بشكل متباعد على عكس مثلا ما جرى قبل الأزمة المالية في السنوات بين 2005 و2008، عندما كثر «الشو» الاعلامي ونشطت صناعة العلاقات العامة وتسويق صورة الرئيس فلان أو الرئيسة فلانة أو الشركة هذه والشركة تلك.
في ذلك الوقت، لم تكن الاستحواذات مدروسة جيدا، كان عنصر الإيجابية مسيطرا، والكل يتحرك على أساس ان «الدنيا ربيع والجو بديع»، وكلنا رابحون، فهيا بنا نمرح قليلا ونسوق أنفسنا في الصحف والمجلات والتلفزيونات.
وعندما جاءت الأزمة سقطت صورة هؤلاء سريعا، لان تبين «الزيف» فيها، فهي لم تكن وليدة ذكاء نجوم الشركات وقتذاك، وإنما بفعل صعود السوق والحظ والسيولة الغزيرة وانفلات البنوك بالإقراض العشوائي. لكن سقوط هؤلاء أعطى انطباعا بأن دخول «الميديا» محرقة، وخلق جوا سلبيا من التواجد في الصورة، مازال موجودا حتى الان.
فأغلب الاستحواذات الاخيرة في السوق، لم تظهر بشكل قوي في الميديا. فالصفقات تتم بهدوء اعلامي مهما كبرت، وحتى ان بعضها يمر مرور الكرام وكأن شيئا لم يحدث رغم انها بمئات الملايين.
بالعكس تظهر اخبار سخيفة، وتحشر الشركات والمسؤولون أنفسهم فيها من باب المسؤولية الاجتماعية للشركات، وهو نمط نشط في سنوات ما بعد الأزمة، لان الصفقات غابت، وارادت شركات علاقات عامة الاستمرار بعقودها، فزادت من جرعة المسؤولية الاجتماعية، لدرجة أصبحت «سمجة» جدا وتسخف مشهد الاقتصاد الكويتي. لذا ما الأفضل الان؟
ثمة امر جديد في المشهد الحديث، وهو صحي للشركات.فعدم دخول الميديا بشكل نهائي للحديث عن نجاح الصفقات يضر الشركات وصناعة الاستحواذات نفسها. فالواقع الان مختلف عن السابق، اذ ان اغلب الصفقات حاليا تنم عن نضج الشركات ولها منطق وسياق طبيعي، وذلك عكس ما جرى قبل الأزمة. نلاحظ على سبيل المثال بوبيان للبتروكيماويات واستحواذها على «تعليمية» ثم «نفائس» و«بوتيكات» و«الكوت»، وهو تنويع ذكي ومنطقي لاعمال الشركة، الامر نفسه يحدث في «كامكو» مع «غلوبل»، وايضا «أجيليتي» مع «ابراج القابضة» وغيرها الكثير من صفقات اصغر نفذت أو متوقع تنفيذها.
فهذه الصفقات تتم من شركات تشغيلية على شركات تشغيلية لديها أصول حقيقية، وهذا الاتجاه السائد الان مهما صغر أو كبر. لذا فالترويج الاعلامي يصبح حقيقيا في هذه الحالة وليس دعاية كاذبة كما في السابق، ينفع ولا يضر. لماذا؟ لان الترويج سيخلق أجواءا إيجابية في السوق، سيرفع أسعار الاسهم تلقائيا لتعود لقيمتها العادلة، ستشعر الشركات أو مدراؤها بالراحة النفسية بأنهم صنعوا قيمة جديدة لشركاتهم ومساهميها، ستنشط السوق من جديد، مصطلح «استحواذ»، اذا كثر وجوده، فهو بحد ذاته إيجابي، انه «كالعرس فيه فرح».. سيعود «الجو ربيع« وكلنا نفضل«الربيع»!
boumeree@
[email protected]