قفزت السيولة لمستويات نصف مليار دولار في تداولات الخميس الماضي، وهي المرة التي نرى فيها تسعة أرقام بالدولار دفعة واحدة في جلسة واحدة.
كانت هذه السيولة ضمن التوقعات وصدقت، والآن ثمة مرحلة جديدة بعد أن دخل المستثمرون الأجانب بفعل الترقية الى مؤشر فوتسي.
إذن، الأجانب اليوم في بورصة الكويت، وهذه شهادة عالمية بالأسهم الكويتية، وهؤلاء تجاوزوا كل مشاكل الضعف في السيولة والتداول في السنوات التي تلت الأزمة المالية، ووجدوا فرصا في السوق، حتى الآن المستثمر المحلي لا يراها على نطاق واسع!
والأيام الأخيرة شهدت تقارير عدة من مؤسسات إعلامية عالمية تشيد بالبورصة الكويتية، منها مثلا تقارير «فايننشال تايمز» و«بلومبيرغ»، وهذا يدل على أن ثمة تحولا إيجابيا في المشهد كنا قد تحدثنا عنه في «الأنباء» غير مرة، لكن، رغم ذلك، مازالت حالة تردد المستثمرين المحليين من دخول السوق قائمة!
وهذا الأمر مفهوم نظرا لما عانته العائلات الكويتية في الأزمة المالية قبل ١٠ سنوات، والنصب الكبير الذي حصل لجذب سيولتها ومدخراتها الى الأسهم، التي تبين لاحقا أنها ورق بورق!
وما رسخ قناعة الناس المتضررة بأن الابتعاد عن الأسهم اسلم طريق لحفظ الثروة، هو عدم ردع النصابين والمحتالين في ذلك الوقت أو محاسبتهم لاحقا، بل حتى عدم إجبار المجموعات بتعويض المتضررين، بعد أن تبين لاحقا أنها تلاعبت بالأخبار والمعلومات والإفصاحات لجمع أموال الناس للاكتتاب بالأسهم او رفع اسهم شركاتها.
كل ذلك التساهل في ملف البورصة أفضى الى استمرار عزوف المستثمرين المحليين عن الأسهم، بل دخلها الأجانب واستفادوا، وربما هم سيكونون المستفيدين الأكبر لأن من سيدخل متأخرا سيتم التصريف عليه بشكل أو بآخر!
وهناك قصة رواها زميل لي تبين أسباب ضعف الثقة لدى المستثمر المحلي بالصناديق ومديري الاستثمار والأسهم عموما، حيث سأله أحد المستثمرين في صندوق محلي عن معلومة كنا عرضناها في «الأنباء»، وأكدنا له صحة هذه المعلومة، لكن عندما عاد لمدير الصندوق قال له «إنه كلام صحف.. لا تصدقهم»! فعاد إلينا مرة أخرى وأكدنا له المعلومة بالحقائق والوثائق، ما دفعه لسحب أمواله من الصندوق.
والعبرة هنا انه مازال المؤتمنون على أموال الناس في الصناديق والمحافظ يعملون بعقلية ما قبل الأزمة، وهي الاحتيال أو «الفهلوة» كما يعبرون عنها، وتصريف العميل بأي شكل مقابل الحصول على أمواله. والأخير يعيش كل الوقت في حيرة وقلق بأن ماله في أيد غير أمينة، وهي أمور تدفعه للعزوف عن الاستثمار او زيادة استثماراته محليا.
و«للأسف»، هذا الأمر لا يحدث مع المستثمر الأجنبي، لان الأخير يمكنه أولا الدخول مباشرة لأنه مستثمر محترف ويعرف حدود استثماره ومخاطرته، وإذا دخل عن طريق وسيط محلي، فهو يعرف ايضا كيف يعيد حقه في حال تم التلاعب بأمواله!
ومع أن الواقع الآن تغير مع وجود هيئة لأسواق المال، يمكنها أن تردع المتلاعبين، الا أن التردد مازال مسيطرا. وكثيرة هي العلاجات لتجاوز هذه الحالة والعودة لوضع طبيعي بالسوق. فغير منطقي أن يدخل النصف مليار دولار من الأجانب، بينما يتردد المستثمر المحلي بوضع دنانيره! ومن العلاجات مثلا، تسهيل مهمة تقديم الشاكي عن وجود تلاعب ما وتحريك التحقيق سريعا، والإعلان عن نتائج التحقيقات في الشكوى، حتى يشعر الناس بالأمان والثقة ويعودون الى البورصة مرة أخرى.
طبعا، مثل هذا العلاج يلغي الصورة الذهنية الراسخة بعدم وجود عقاب، وان المستثمر هو الضحية دائما! وهناك أمور أخرى يمكن تفعيلها، لأن الصور الذهنية للأزمة كثيرة، وكان يفترض تهيئة السوق والناس للمرحلة الجديدة بالعمل على إلغائها واحدة تلو الأخرى، ليصبح الوضع طبيعيا الآن! لكن دائما هناك فرص للتصحيح، فالأشهر الثلاثة المقبلة ستشهد دخول نصف مليار أخرى متوقعة، ومرجح ضعفها بعد عامين مع الترقية المتوقعة لمؤشر MSCI.
boumeree@
[email protected]