تجتهد وزارات ومؤسسات حكومية عدة لجذب المستثمر الأجنبي او المبدعين والكفاءات لتحسين واقع الأعمال في الكويت.
لكن ثمة مشكلة بنيوية تتخطى هذا الاجتهاد، وتجعل كل الجهد كأنه لم يكن! في سان فرانسيسكو، حيث أتواجد مع كتابة هذه السطور، حاولت ان استطلع رأي بعض المبادرين الناجحين، حول السوق الكويتية.
الأغلبية منهم لا تعلم بالضبط أين تقع الكويت، وعليك ان تشرح لهم أنها بجانب دبي، هناك، فوق، تحت، دقائق حتى يعرفون مكانها او تريهم المكان على خرائط غوغل! المهم ان الحديث يأخذ منحى دبي، وليس الكويت.
ويعتقدون هنا، خطأ، ان دبي تمتلك ثروة ربما شبيهة بسان فرانسيسكو، وفرص عمل اكثر، وهو امر خطأ ايضا.
فالوضع في سان فرانسيسكو، كما في أغلب مدن أميركا وولاياتها الكبيرة، ينمو بسرعة هائلة، ويافطات «مطلوب موظفين» تجدها أينما تمشي، هذا من دون الحديث عن المميزات والبونسات والمرونة بالأعمال والوقت والحريات.. والقائمة تطول! لكن السمعة تغلب دائما، ودبي نجحت بتسويق نفسها، رغم ان الأحداث الأخيرة بالمنطقة جعلت البعض هنا يراجع نفسه من صورة دبي، والخليج عموما، ويحاول ان يسألك تفصيليا عن الوضع، ولا يمكنك ان تجمل شيئا، فأخبارنا على الصفحات الاولى بالصحف الاميركية.
لكن لنعود للكويت، وما تحاول ان تفعله لجذب الأجانب من الكفاءات والمبدعين والمبادرين.
في الواقع، لا يوجد الكثير ليشجع على مجيء هؤلاء.
دعك من الحياة المنفتحة في أميركا مثلا «بكل ما للكلمة من معنى» (ربرارية لووول)، فكر كيف ستقنع شبابا او فتيات صغيرات يعملون مبرمجين للكمبيوتر، المجال الأكثر طلبا اليوم، ويمتلكون كل الحقوق والواجبات في الشركات الكثيرة في اميركا وأوروبا وأستراليا، ان يأتوا للعمل في الكويت (او حتى دبي والخليج عموما) وينشئون شركات ويطورونها او يطورون أفكارا إبداعية، بينما كل البشرية تتقاتل لجذبهم وتمهد الأرض لهم، مع تقديم مميزات الإقامة الدائمة ثم الجنسية والمواطنة الكاملة.
أخبرني أحد المبادرين ان صديقا له فكر مرة بالذهاب الى الخليج، لكنه تفاجأ ان الموظف لا يحصل عند بدء عمله على كتيب تفصيلي عن حقوقه وواجباته، وأنه حتى لو حصل على الكتيب، فإنه حبر على ورق! كما ان «التابوهات» كثيرة، فعاد سريعا، واقتنع بألا مكان للعمل الحر والإبداع في هذه البيئة.
هناك أمر آخر صعب، وهو واقع تأسيس الأعمال والدورات المستندية والتواقيع و«تعال بكره» وهو أمر معروف وكثر الحديث عنه، لكن الذكرى هنا قد تنفع من يغفل تفاصيل ويريد ان يقفز فوق الواقع لجذب المستثمر الأجنبي والمبدعين.
هناك شباب كويتي يعمل جاهدا لتطوير بيئة الأعمال، يقدم حقوقا كاملة للموظفين، ويخلق لهم أجواء جميلة للإبداع، وهم يشكرون على ذلك.
لكن هذا الموظف سيخرج من عمله، ويصطدم بأمور كثيرة في الخارج تعطل أحلامه وإبداعه، ويعود الى بيته كئيبا، وفي اليوم الثاني حتما لن يبدع، سيمرر اليوم بانتظار راتب آخر الشهر، الى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا.
@boumeree
[email protected]