لا يمر يوم إلا وتظهر أخبار عن تقليص إدارات حكومية من أعداد الموظفين الوافدين لإحلال المواطنين مكانهم.
البعض يعتقد أن ذلك حلّ لخلق وظائف للمواطنين، لكن هذا الوضع لم يغير من التركيبة السكانية وقوى العمل في السوق، اذا ما زال ثلثا العمالة والموظفين من الوافدين مقابل ثلث للمواطنين.
ويخلق هذا الوضع سوق العمل نفسه الذي يحتاج إلى مهنيين وموظفين ذوي خبرة وممارسة على ارض الواقع، وليس خريجين جددا.
لذا فإن حلول الإحلال ستظل فقاعات سياسية لن تؤدي الى تغيير الوضع.
فما الحل إذن؟ في الواقع ان ما تواجهه الكويت الآن تعيشه مدن كبرى في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال.
فمنطقة السيليكون فاليه تشهد طفرة غير مسبوقة من تطور الاعمال ونموها، ما يتطلب جلب عمالة إضافية من الخارج.
لكن بسبب طبيعة السياسة الأميركية الآن التي تصعب شروط استقطاب العمالة من الخارج، فقد لجأت الشركات الى حلول عملية لتسيير الاعمال.
اذ باتت حلول العمل عن بعد واقعا تعيشه معظم الشركات، خصوصا الناشئة منها التي تحتاج الى مهارات معينة في عملية التأسيس فتستقطب موظفين يسكنون في ولايات أخرى أو من دول أخرى وتوظفهم ليقوموا بأعمال أو مشاريع معينة.
وتؤدي هذه المرونة في الأعمال الى توفير في التكلفة ورفع الإنتاجية واختصار الوقت والجهد في استقطاب موظف من الخارج.
والأعمال عن بعد تتوزع بين وظيفة كاملة الدوام أو نصف دوام أو تعاقد حر يهدف منه الى تكليف أشخاص بمهمات محددة أو مشاريع معينة.
وسوق صغير مثل الكويت واقتصاد محدود المصادر وسوق ضيق لا يحتاج الى استقطاب آلاف الموظفين كل سنة خصوصا ممن يستطيعون ان يؤدوا الخدمة عن بعد.
هذا الوضع لا ينطبق بالطبع على موظفي الخدمات المباشرة وأعمال الإنشاء وغيرها، لكنه ينطبق على قطاعات وشركات ناشئة كثيرة اخرى تعتمد على التكنولوجيا بشكل أساسي.
وهناك شركات عدة في القطاع الخاص اعتمدت نظام التوظيف عن بعد، تحت ضغط توفير التكاليف وصعوبة استقطاب العمالة، لكن هذا الأمر لا ينطبق على القطاعات الحكومية التي تحتكم لنموذج أعمال قديم في تنفيذ مشاريعها، وتريد للموظف ان يكون أمامها ويبصم ويكون حاضرا في الوظيفة لمدة 8 ساعات، وهذه طريقة عفى عليها الزمن.
وهذا الوضع يحصل لان هناك عدم ثقة بين المدير والموظف، أو لان بعض المدراء يريدون ان يشعروا بنفوذهم بوجود موظفين كثر، ليتخيلوا بينهم وبين أنفسهم الهالة الاجتماعية للمسؤول في دائرة حكومية.
لكن ذلك يحمل الدولة تكاليف إضافية وأعباء لا معنى لها. والعمل عن بعد يحتاج أولا مديرا أو مسؤولا لديه مهارات قيادية، فهو يؤمن بفريقه ويضع الثقة به، ويدرك القيمة المضافة من تخفيض التكلفة مع الإبقاء على إنتاجية عالية ونوعية.
وعدم الأخذ بحلول التوظيف عن بعد سيرفع من تكاليف التشغيل وقد يؤدي الى إغلاق مؤسسات عدة من القطاع الخاص خصوصا المشاريع الصغيرة، كما سيؤدي الى زيادة المصروفات العامة في المؤسسات الحكومية.
فسياسة التضييق على جلب العمالة الاجنبية سترفع تلقائيا تكاليف وأجور العمالة الموجودة حاليا في السوق، وهو أمر لن تتحمله المشاريع الصغيرة أو الناشئة الحساسة لأي تكاليف غير محسوبة أو التكاليف السياسية لتشغيل المشروع.
وفي ظل هذه الاجواء السياسية، فمن الأفضل للموظف ان يبقى في بلده وبين أسرته طالما انه يؤدي الخدمة نفسها كما لو انه داخل الدولة، وبالطبع ستكون إنتاجيته اعلى في منزله حيث لن يشعر بأنه بعيد عن أهله وأسرته، وبنفس الوقت سيبذل قصارى جهده للحفاظ على عمله ودخله المريح.
@boumeree
[email protected]