حرب باردة جديدة بدأت بين أميركا والصين، وعلى ما يبدو ستطول كثيرا. الحرب بدأت تجارية هذا الشهر عندما رفع الجانبان الرسوم الجمركية على البضائع القادمة للبلدين، بنسب وصلت 25%. ثم تواصلت الحرب الخميس الماضي لتصبح تكنولوجية عندما قررت ادارة ترامب حظر التعامل مع 68 شركة صينية أبرزها شركة «هواوي»، عملاق التكنولوجيا الصيني، ثم إعطاء فترة سماح تصل الى 90 يوما للشركات الاميركية المتضررة من الحظر ولديها تعاملات مع «هواوي» لترتيب أوراقها والبحث عن بدائل.
والشد والجذب الاميركي - الصيني ليس جديدا بل اتخذ مسارا طويلا للوصول الى حل يرضي الطرفين، متعلق بالمطالب الاميركية لبكين باحترام الملكية الفكرية ووقف السرقة التكنولوجية وتعويم العملة- اليوان. لكن لم يصل الى حد اتخاذ أي من الجانبين خطوات فعلية مثل فرض الرسوم الجمركية بالنسبة المرتفعة المذكورة، والتي تنذر بأن حربا مفتوحة بدأت بين الجانبين.
ولا شك ان هناك مشكلة بين الطرفين في فهم طبيعة اقتصاديهما ورؤيتهما للبزنس وكيفية اختراق الاسواق. فدولة اشتراكية مثل الصين، تتحكم الحكومة باقتصادها وفي شركاتها، تعتبر وجود لاعب واحد في السوق مثل «هواوي» مدعوم من الحكومة هو أمر طبيعي في بكين.
والعكس تماما في دولة رأسمالية مثل أميركا، حيث يقوم الاقتصاد على المنافسة الحرة وعدم الاحتكار، ما يفترض وجود لاعبين كثر يحترمون المنافسة، ويتنافسون على أساس الاسعار العادلة والكفاءة في ادارة التكاليف والإنتاجية، ويعني ذلك على سبيل المثال عدم وضع اسعار اقل من التكلفة لإخراج المنافسين من السوق.
والسوق الاميركي تعمل بعكس السوق الصينية في مفاهيم الاحتكار، حيث يعتبر الاحتكار مثل وجود شركة واحدة تحتكر قطاعا وتستخدم طرقا التفافية لعدم دخول منافسين، يعتبر عملا مجرما قانونيا، بينما في بكين الاحتكار كوجود شركة بحجم «هواوي» هو امر عادي بل مدعوم حكوميا (علما ان «هواوي» تنفي ذلك).
والتباعد في النظرة للاقتصاد والعمل فيه بين الطرفين يجعلهما ينظران الى الحرب على انها معركة تكسير عظام او حياة او موت. فتصريحات «هواوي» تقول ان اميركا تريد ان تقوض نفوذها وتخرجها من سوقها (والأسواق العالمية تباعا)، والتصريحات الأميركية تقول بان الصين تريد ان تكون اللاعب الوحيد في السوق الاميركية وقتل المنافسين بدعم من حكومتها.
ومن هنا يلاحظ التباعد بين المفهومين الرأسمالي والاشتراكي عندما يتعلق بآليات العمل في السوق، فالجانبان متخوفان من بعضهما البعض، وكل منهما يعتبر ان الآخر يريد قتله، لذا فالقضية بالنسبة له أصبحت قضية بقاء. ويفسر ذلك لماذا هذا الصراع سيطول، وسيتخذ أشكالا عدة، وسيكون هناك ضحايا كثر، لأن أسبابا ايديولوجية خلفه!
والمهم في هذا السياق هو معرفة ان معارك تجارية وتكنولوجية ستظهر في الأيام والسنوات المقبلة، وعلى الجميع الاستعداد للمواجهة بين اكبر اقتصادين في العالم. وما بدأته اميركا في الصين قد يمتد ليشمل دولا أخرى تعتمد مبدأ الاشتراكية في عملها، وان كانت تعلن أنها رأسمالية ظاهريا. فكل الشركات المدعومة حكوميا والمنظمات الاحتكارية، والتي تنافس داخل السوق الاميركية أو الاجواء الاميركية ستكون محط مساءلة وحرب مفتوحة!
boumeree@
[email protected]