بينما تنتشر صور تكدس أكياس البريد في المراكز البريدية الكويتية على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط لامبالاة واستخفاف بهذا القطاع المهم، يبدو من المفيد التذكير بأهمية هذا المرفق الذي يعتبر سببا من أسباب تطور دول عدة، وعلى رأسها أميركا.
في السوق الأميركية يعتبر قطاع البريد من ركائز تطور قطاعات عدة، على رأسها النقل والشحن وخطوط الإنتاج. وبفضل البريد، تطورت التجارة عبر الولايات الخمسين وتم تصريف البضائع بينها وتحريك الأسواق الأميركية لعقود طويلة.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، تمكنت الشركات الإلكترونية من العمل بسهولة بفضل البريد، وعلى رأسها أمازون، التي تعتبر اليوم شركة تريليونية.
فلولا كفاءة خدمات البريد لما تمكنت شركات إلكترونية عدة من توصيل المشتريات للناس الى بيوتها، ولما لجأ الناس إليها كحل سريع لشراء البضائع وهم جالسون مرتاحون في بيوتهم، مطمئنون بأن ما سيطلبونه سيصل في موعد محدد ومن دون اي أضرار تذكر.
و«أمازون» نفسها هي قصة نجاح ساهمت فيها شركات البريد الأميركية، فلولا وجود بريد كفؤ لما انتشرت «أمازون» بالصورة نفسها، لأنها في النهاية تريد توصيل البضائع ومشتريات الناس عبر شركات البريد من دون أخطاء وبمواعيد صحيحة.
والمشتري يهمه خدمة التوصيل بشكل رئيسي والوقت الذي سيتلقى فيه بريده او مشترياته، لدرجة ان «أمازون» طرحت خدمة «أمازون برايم» التي تركز على خاصية (من ضمن ميزات اخرى) توصيل اي طلب بأيام أقل من خدمة «أمازون» العادية.
عمر البريد الأميركي نحو 300 عام، ومازال يعمل كشركة حكومية، وهو كفؤ جدا، وان كانت خدماته تحتاج الى أيام أكثر من شركات منافسة خاصة، مثل UPS و«فيديكس» و«دي اتش ال»، لكنه يظل خدمة ممتازة ورخيصة، (حتى UPS عمرها 100 عام!)، وفي عالمنا العربي، هناك محاولة واحدة لكنها تستحق التقدير لصناعة شركة بريد بمواصفات عالمية، حيث تمكنت شركة «ارامكس» الأردنية من بلوغ العالمية، فهي مدرجة ببورصة ناسداك. وكشفت عن أهمية قطاع البريد الذي من الممكن أن يكون ثروة بمئات الملايين من الدولارات، كما هي حال «ارامكس» التي تخطت أرباحها الصافية 100 مليون دولار.
وللعلم، كان التحدي كبيرا أمام المؤسس فادي غندور في بلد لا يوجد فيه نفط وضعيف المصادر مثل الأردن، لكنه أسس «ارامكس» من الصفر في الثمانينيات لتصبح إيراداتها اليوم تفوق المليار دولار.
في ظل كل ذلك، يحدث العكس في الكويت، حيث يهمل قطاع حساس مثل البريد، ولا أحد يخطط لأن يذهب به الى أبعد من مجرد خدمة محلية مهملة.
وفي وقت بدأت تنتشر فيه شركات الإنترنت في الكويت، وتطور من عملها، لا يوجد ما يسعفها لتوصيل البضائع، بل تتحمل تكلفة التوصيل عبر توظيف سائقين خاصين للتوصيل، في وقت يتم تحميل المستهلك تكاليف خدمة التوصيل، وهي تكاليف عالية، يدفعها المستهلك بسبب عدم اهتمام الحكومة بمرفق مهم قد يوفر الكثير من الوقت والجهد والتكاليف على مواطنيها.
فهل حان الوقت للاهتمام بهذا المرفق، ام سيطول انتظار من سيهتم بأكياس البريد المكدسة في مراكز البريد، وكأنها مجرد أكياس زبالة مرمية في الطرقات، وجار البحث عن كيفية تصريفها؟!
boumeree@
[email protected]