كانت الساعة في ذلك الوقت هي الواحدة ظهرا، شدة الحر في تلك الساعة جعلتني أنظر مجددا إلى ساعة يدي، في بادئ الأمر كنت أنظر في الأرجاء فوقعت عيني على ساعة الحائط الكبيرة، المعلقة في سقف المبنى العالي.
والتي توقفت وهي تشير إلى الساعة العاشرة والنصف، لم تكن شمس العاشرة فلقد كانت شديدة وساطعة جدا، بالطبع لا أعلم متى توقفت، هل في الصباح أم المساء، لفظت ثوانيها الأخيرة في ذلك الوقت، وأنا على يقين من أنه لم يعلم أحد من الحضور بذلك، مشت دقيقتها التاسعة والعشرون كاملة ثم توقفت ولم يلق أحد لها بالاً.
في طبيعة الحال فقدت تلك الساعات مصداقيتها منذ زمن طويل، لم يعد الزوار ولا الحضور يمارسون عادة النظر إليها، حتى وإن فعلوا ذلك، فإنهم ينظرون إلى هواتفهم للتأكد من التوقيت.
أذكر في القديم القريب كانت هذه الآلة محط أنظار الجميع، أما الآن فلم تعد من ضمن الاهتمامات، تجد الرقاب كلها معلقة صوبها، يراقبون الوقت وهي تراقبهم.
أظن السبب وراء تعطلها هو عدم الاهتمام بها، كأنها تقول لا أحتاج إلى تلك البطاريات، بل أحتاج إلى النظرات أحتاج إلى الاهتمام فأنا ما زلت موجودة، ما زال دوري مهماً، فأنا من أنظم وقتكم وأنا الدليل الدامغ إذا تأخر موظف وأهمل في إتمام معاملاتكم، ينظرون ويشيرون إلى عقاربي الصغيرة والكبيرة لتشهد على ذنب المقصر المهمل.
لا تتأخر في القيام بواجبها، فلقد كانت تقف في جانب الحق وإذا أنكر تصيح الأجراس الصاخبة ناكرة لفعلته.
أعدك بأن أنـــظر إليك دائــما وأبحث عن مكانك وهو غالبا ما يكون بارزا وجليا لمن يهتم ويبحث، سأنظر حتى وان أخطأت في التوقيت، لأنني لم أعد أهتم بالوقت بعد ذلك اليوم، كنت أحسب الدقائق وأنا إلى جانبه وحين رحل لم أتوقف عن العد ولكن حين طالت المدة، طالت كثيرا توقفت عن الحساب وعن الجمع والضرب والقسمة ولم أتوقف عن الطرح، طرح الذكريات والماضي والأحمال الثقيلة التي أنهكتني.