ألقاه حين خروجي من المنزل ينتظرني بجانب الباب لا يكلّ ولا يملّ، أفكر في الرجوع وإلغاء موعدي وكل مشاويري الأخرى كي لا أحمله معي وأصحبه في رحلة مدتها ثوان بسيطة.
أحمل ذلك الكيس الكبير والصغير، يعتمد حجمه ويرتبط مع نوع المناسبات وحجم وعدد الحاضرين والمترددين على منزلي المتواضع. أحمله بأطراف أصابعي، كاتما أنفاسي مشمئزا لأضعه مع زملائه وأصحابه من نفس الفئة والصنف، دافعا بيدي الى أقصى مسافة أستطيع الوصول إليها خوفا على ثوبي الأبيض الناصع.
في المقابل هناك من يجمعها ماضيا معظم أوقاته بين عبيرها دون أدنى ردة فعل، أراه متعلقا على شاحنة جمع النفايات التي تأتي ليلا والناس نيام لتجمع مخلفاتهم، ينزل منها وهي ما زالت تمشي، يذهب الى صندوق القمامة أعزكم الله، يجرها ويضعها في مكانها لترفعها الشاحنة من خلال الرافعة المخصصة لذلك.
يمسك بذلك المقبض ليهز ويرج الصندوق النتن ليخرج كل ما في بطنه، يصعد ويعود الى مكانه ملوحا لسائق الشاحنة أن استمر في القيادة مازال ينتظرنا الكثير. لم نحتمل الرحلة ذات الثلاثين ثانية تقريبا وهو لا يكاد يميز تلك الرائحة التي تعود على استنشاقها في رحلته التي تستمر حوالي الثمانية والعشرين ألف ثانية يوميا.
وضع يرثي له من يراه، تمر تلك الآلية يجانبك جارة خلفها تلك الرائحة الكريهة التي لا تطاق وذلك العامل يلوح بالسلام على المارة بالرغم من وجوده في نواة القمامة، تذهب المركبة وتقطع مئات الأمتار وما تزال الرائحة في مكانها.
تساؤلات كثيرة عقب ذلك التلويح هل هي لا مبالاة أم تعود أم صبر عظيم؟ لا أعلم صراحة، لكن الواضح أنه تسلح بالعمل الجاد والإقدام والعزيمة وغيرها من الصفات التي جمع بينها ليلوح لنا في النهاية.
اصبحنا عديمي الصبر لا نحتمل أبسط الأمور، نرغب بالثمار دون زراعة وحصاد وتعب وعرق، نختصر كل شيء حتى الرحلة، طويلة كانت او القصيرة، بحثا عن الاختصارات والطرق القصيرة، هدفنا الوصول فقط، لكن هيهات هيهات لن نصل أبدا بدون رحلة.