ذهبت من تلقاء نفسي مخيرا مسيرا إلى هناك قاطعا آلاف الأميال حيث البرد القارس، طقس لا يرحم، فقد أنذرنا ذلك الجبل الشامخ الشاهق وعلى رأسه تاج من جليد، والذي يرى من بعيد، يهددك بقرصاته ووخزاته، لذلك أفرغت خزانتي من الثياب ووضعتها في حقيبتي الكبيرة استعدادا للسفر إلى هناك.
الغريب أنني لم أكن أعلم أنني ذاهب لأتلقى تلك الصفعات، نعم صفعات متفاوتة في الشدة، وأحيانا يصب علي ماء شديد البرودة من جبلنا الذي ذكرته لكم منذ قليل، بالمناسبة اسمه جبل سفين في إقليم كردستان بالقرب من مدينة تدعى شقلاوة.
شاركت مع مجموعة من المتطوعين في حملة إغاثية، نوزع عليهم كسوة الشتاء ويوزعون علينا الدروس «الصفعات» أفيق بعدها كأنني أفقت من غيبوبة، دروس صعبة من الوزن الثقيل، تأتي تلك العجوز تمشي بخطوات متثاقلة حتى تصل عندي لأعطيها تلك السترة وزوج من الأحذية فوق كيس البطانية حتى لا أستطيع رؤية وجهها المليء بالهموم التي تسكن بين تجاعيد بشرتها.
وأخرى شابة في مقتبل العمر، وصلت إلي بعد طول انتظار تجر طفليها، والثالث الرضيع على كتفها قد تعب من البكاء.. وغيرها من الحالات التي تذكرني بالنعمة العظيمة التي أحظى بها ويحظى الكثيرون بها أيضا، كلما مددت يدي لأعطي، أخذ في المقابل دون إذن أو انتظار.
تذكرت ذلك المسلسل القديم، الذي حضره من هم في عمري وهم صغار، مسلسل «الندم» وأكثر جملة ترددت فيه هي «اصفعني وخذ دينارا».
مشاركتي في هذه الحملة الإغاثية كانت بالفعل تمثل تلك الجملة التي ترددت في المسلسل، كنت آخذ درسا بل دروسا كثيرة وعبرا كلما أعطي جوربا أو معطفا، مواقف علمتني الامتنان والشكر لله، جعلتني أرى كيف صببت الاهتمام والوقت في أمور ثانوية، على الرغم من اختلاف الفكرة، حيث إن المسلسل يحكي قصة شاب قطع مسافات طويلة وبحارا عاتية ليصل إلى الكنز وفي المقابل يعطي الرجل المسن الفانوس حسب الاتفاق الذي كان بينهما كونه هو الذي أبلغه بمكان الكنز وأصيب بالعمى نظير طمعه لأنه لم يف بوعده.
في النهاية لا يسعني سوى أن أشكر هيئة الهلال الأحمر الإماراتي على هذا الدروس المجانية، والتي تستحق حقيقة أن ندفع ثمنا غاليا لها، لأنها دروس لا تقدر بثمن.