أناس يتحلون بالصبر والجلد والقوة والعزيمة، وان كادت عزيمتهم لتزول منها الجبال، رأيتها وشعرت بها في كل نفس وخطوة ونظرة، واضحة جلية لا أستطيع تجاهل هذه القوة والبأس، اعلم بأنهم لم يملكوا كل هذه الصفات فجأة أو دون تعب أو يأس جرهم إلى الحضيض وحدود الهلاك يوما ما.
كان أمامي مجموعة منهم، كلما استرقت واستغرقت في النظر فيهم أخذني خيالي بعيدا، عشت حياة كل واحد منهم لثوان معدودات، أرهقني الفكر والتخيل المؤقت لروتينهم اليومي الذي عشته لثوان قليلة، فما بالك بمن يعيشه عمرا كاملا.
أما الأول فتخيلته مستغرقا في نومه في جو كله سواد وظلام يصحو في الصباح المشرق، لكن المشهد بقي على وضعه بدون ألوان، «سواد في سواد»، يتحسس ما حوله، ينهض بحذر، يمشي ببطء كي لا يسقط ويتأذى، ينصت ويستنشق ويستشعر بيديه وجسده، يحول هذه الحواس إلى صورة يرسمها في عقله ليغير ويلون لوحته السوداء.. وتستمر الحياة.
أما الثاني فكان جالسا في هدوء وسكينة على كرسيه الذي أصبح جزءا لا يتجزأ منه، حل محل قدميه، تخيلت أول عمل يقوم به حين ينهض كل صباح، يجلس مستندا إلى يديه على الفراش، ينظر إلى كرسيه الواقف بجانبه حينها يعلم أنه ينتظره الكثير من الجهد يبدأ من دخوله إلى دورة المياه وينتهي في نهاية اليوم حين يصارع كرسيه ليخرج منه ويلقي بنفسه على فراشه، أما الثالث والرابع والخامس فكنا نحن جالسين نراقبهم ونحن في ذهول لما يملكون من قوى أراها من وجهة نظري خارقة وفوق العادة.
حضرت احدى الورش التي تسلط الضوء على أصحاب الإعاقة «أصحاب الهمم» كما نطلق عليهم في إمارات الخير وكيفية التعامل معهم وأخذني الخيال الذي ارهقني حين تصورت حياتهم لثوان قليلة، هم أناس فوق العادة «سوبر بشر» أدعو لهم بالشفاء والثبات فهم منا وفينا وحولنا لا يحتاجون منا الشفقة والمعاملة الخاصة بل دمجهم واحتواءهم معنا في محيط حياتنا المزدحمة.
@balhamar494