في ذلك اليوم تساءلت عنهم يا ترى أين هم؟ وماذا يصنعون ويعملون في أيامهم؟ وقد انقضت على لقائهم سنون طويلة تتعدى العقدين من الزمن.
عندما رأيت أحدهم يمشى أمامي، لكن لم أكن متيقنا لأن الزمن كفيل بتغيير الكثير بدءا من الألوان والصبغات وصولا للإضافات والزوائد غير المرغوب فيها «الكرشة» على سبيل المثال، حتى عمليات إزالتها تغير من المنظر العام وتجعلك على هيئة شخص خرج للتو من مجاعة.
لكننا ما زلنا نبحث عنهم، لم ننسهم وستظل ذكراهم ومواقفهم عالقة في أذهاننا، هل هو بسبب خوفنا من المستقبل!، أو دهشتنا من الحاضر الذي نعيش فيه، والوقائع والمواقف التي تصادمنا معها وأصابتنا بالذهول.
ومسيرة البحث رأيتها من الكثيرين غيري، كنت جالسا في أحد المقاهي «الكوفي شوب» في الكويت الشقيقة وبجانبي في الطاولة المجاورة، رجل في الخمسينيات حسب تقديري، استوقفه أحد المارة، كان يمشي بخطوات سريعة وفرحة، سلم عليه وتبادلا التحية وصار الحوار التالي:
الماشي: سالم؟!
الجالس: أي سالم.
الماشي: درسنا أنا وأنت منذ زمن بعيد وذكر له اسم المدرسة والمرحلة وتفاصيل كثيرة أخرى في منتهى الدقة.
الجالس: للأسف لست بسالم.
الماشي: أخذ يعتذر ويخبره عن مدى التشابه بينه وبين صديق عمره.
الجالس: لا بأس فأنت ليس الأول، قد يكون شكلي هو السبب فهو مألوف لدى الكثير.
الماشي: شكرا أخي الفاضل وآسف على إزعاجك.
الجالس: لا بأس وأكمل برنامجه وكأن شيئا لم يكن.
الماشي: خطوات حزينة متباطئة على عكس خطواته التي جاء بها، لم يلق من يراجع معه تلك الذكريات والماضي الجميل وأخذ يمشي حتى اختفى بعيدا.
كنت أتمنى أن أستمع إلى بقية القصة ليته كان «سالم»، فأنا أيضا أبحث عن سالمي أنا، في جميع الحالات أحن إليهم «أصدقاء الطفولة - سالم - وأذكرهم كلما جاء محفز أو حصل تفاعل كيميائي حرك الذكرى تجاههم، والأجمل أن ألقاه ماسكا في يده يدا أخرى من أبنائه، كل التوفيق لهم أين وكيفما كانوا.