خلف هذا المثل قصة طريفة، تعود إلى فلاح أو مزارع يمتلك خيولا أصيلة في مزرعته، وفي كل يوم يفتح لهم الإسطبلات للجري ورفع لياقتها، وبجانبه جاره، الذي يملك في مزرعته بقرة «شقراء» - عزيزة على قلبه - تجري خلف الخيول بشكل يومي كلما فتحت بوابات الخيل، وفي كل مرة تتصرف هذه البقرة بشكل غريب - بتشجيع من صاحبها - فكلما انطلقت الخيل تنطلق خلفها تلك البقرة الشقراء، لذلك أطلق المثل «مع الخيل يا شقراء»، استخدم هذا المثل على نطاق أوسع، أي عندما يتم تقليد شخص لشخص آخر أو مجاميع - لا ينتمي إليها - وربما ثقافات أخرى مختلفة، قيل: «مع الخيل يا شقراء»، فهذه البقرة ظنت أنها مهرة أصيلة، لمجرد ملاحقتها وتقليدها للخيول، بتشجيع وتصفيق من صاحبها أو مالكها، وهذا يعكس واقعا «طريفا» نعيشه وهو أن البعض يعتقد أنه مهم جدا وهو في الحقيقة عكس ذلك تماما، وقد يعتقد أنه بطل لمجرد سيره خلف الخيل، وفي الحقيقة ما هو إلا مقلد - صدق نفسه - وحصل على التشجيع الكافي.
تصرف «الإمعات» ازداد في الآونة الأخيرة، سواء في الحياة العامة أو في العوالم الافتراضية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، «هبات» لا تناسبنا ولا تناسب حياتنا ولا تناسب ميزانياتنا ولا تناسب فكرنا، ولكن البعض ينجرف خلفها لحصد الإعجابات وبعض الدنانير أو لمواكبة المجتمع - المريض - حتى لو كان على خطأ.
أصبحنا أضحوكة أمام العالم، فالتقليد الأعمى للمشاهير الذين يسمون أنفسهم مؤثرين، ومحاولة تقليد أسلوب حياتهم - المزيفة أو الوهمية - ما هي إلا أكذوبة يعيشها البعض ليرضوا المرضى حولهم ومن يشبههم.
فلان اشترى سيارة فارهة، يجرون خلفهم ليشتروا ذات السيارة، وفلانة اشترت الحقيبة الفلانية، تهافتوا لشراء تلك الحقيبة، البعض وصل إلى مرحلة متطورة من التقليد الأعمى وهو اللجوء للاقتراض من البنوك لمجرد «مواكبة الآخرين»، ومن غير المعقول أن تنتشر تلك العدوى بين الشباب وحديثي التوظيف وهذه كارثة حقيقية نعيشها.
كماليات تهدد الحياة والمجتمع وتدمر الشباب، لا اعلم حقيقة من زرع تلك الفكرة الجوفاء في عقول الشباب، ومن لا يتبع «الهبة» الفلانية يصبح في نظرهم رجعيا أو «دقة قديمة» وما شابه.
وحتى في ابسط الأماكن كالمقاهي، الجميع يطلب «نفس الطلبية» ونفس المشروب، ونفس السندويشات، حتى لا يقال بأنهم «موديل قديم».
ما نريد قوله هو أن القناعة كنز لا يفنى، ولا يوجد أجمل من البساطة، وهذه الهبات تافهة، ومن يتبعها فهو إنسان أجوف وتافه وشخصيته مهزوزة، ولا تصبحوا كالبقرة الشقراء التي تركض خلف الخيل، يسخر الآخرون منها، لا هي تعلم أنها ليست خيلا ولا الخيل يعترف بوجودها!
بالقلم الأحمر: «الركادة زينة».
AljaziAlsenafi@