طوال تاريخهما كانت كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة عرضة لأطماع الجيران، مما دعاهما بعد استقلال كل منهما عامي 1948 و1965 على التوالي، إلى اللجوء للحل الوحيد المتاح لدولتين حديثتي الاستقلال ولا تملكان موارد طبيعية تحفز الدول العظمى على حمايتهما، فاهتمتا بالتنمية البشرية ورصدتا الجزء الأكبر من ميزانيتيهما لتطوير التعليم، ونجحت الدولتان نجاحا باهرا، إذ أصبحتا تتنافسان فيما بينهما وفنلندا على المراكز الثلاثة الأولى في جودة التعليم، وانتشرت فيهما الجامعات التي أصبح بعضها ضمن أولى الجامعات على مستوى العالم، واستطاعتا المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل، فنجحتا في توفير عمالة ماهرة ومؤهلة علميا لمصانعهما.
احتلت سنغافورة المركز الثالث بعد تكساس ولندن كسوق لبيع النفط والثالث بعد هيوستن ونوتردام كمركز لتكريره، كما اهتمت بالبحث العلمي فصارت معامله ومختبراته تدر عليها جزءا مهما من دخلها القومي.
وفي سوق المال صارت من أهم مراكزه في آسيا، وأهلها اقتصادها لأن تكون رابع نمور آسيا العظام.
كوريا الجنوبية تميزت بصناعة السيارات وأجهزة الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية وصارت المنافس الأهم للشركات الأميركية في هذا المجال، كما اهتمت بصناعة البنى التحتية وبناء الطرق والجسور.
بهذا الحضور الطاغي على الساحة الدولية والفاعلية في نماء البشرية ورخائها خلق البلدان ضمان الحماية الدائمة لوجودهما وارتبطتا بتحالفات مبنية على تبادل المصالح مع الغرب.
الكويت الدولة الغنية بالنفط التي استقلت عام 1962 لم تضع إستراتيجية جادة للتنمية البشرية ولا اعتبرت التعليم أولوية مطلقة لها، ولا عمدت إلى التصنيع كمصدر رديف للدخل، أما أسواق المال والتجارة فقد أوكلت في المجمل للوافدين مهام إدارتها فنيا، وتغيرت التركيبة السكانية سلبا، وأدت زيادة أعداد الوافدين لأكثر من ثلاثة أضعاف أعداد المواطنين إلى مزاحمتهم الكويتيين على سوق العمل وخدمات الدولة ومرافقها، وتغلغل الفساد تدريجيا في كل مناحي الحياة.
على الرغم من تجربة الغزو، لم تنجح الكويت في تحويل تحالفاتها مع الدول العظمى إلى مصالح مشتركة تكون الضامن لأمن البلاد واستقرارها فلم توكل إلى هذه الدول جزءا من مشاريعها الكبرى ولا استدعت خبراءها لبناء صناعة نفطية جادة ومراكز للبحث العلمي وترددت قبل الغزو في تسهيل إنشاء قواعد عسكرية لها بدعوى التحرر العربية رغم عدم وجود علاقة بين الأمرين وبعضهما البعض، فأوروبا المستقلة وذات الإرادة الحرة مليئة بالقواعد الأميركية بل تحرص على استمرار بقائها على أراضيها وينطبق هذا على اليابان وعلى العديد من الدول الكبيرة كتركيا.
إن وجود مصالح مشتركة مع القوى المؤثرة في العالم لا النفط وحده هو الضامن لأمن الدول الصغيرة حديثة النشأة كالكويت ودول الخليج، ولدوام بقائها. واليوم والكويت تواجه ضغوطا إقليمية ودولية تطالبها بتنازلات عن بعض حقوقها فإن الحكمة تقتضي التعامل بهدوء مع هذه الضغوط فخسارة جزء لحماية الكل وللحفاظ على عمق البلاد الاستراتيجي والعلاقة الاستثنائية مع دول الإقليم هي الخيار العاقل الوحيد أمام البلاد بعد تعذر الأخذ بأسباب القوة ومقومات الديمومة.
[email protected]