تتداخل مجموعة من العوامل تحد في مجموعها من فرص تطور المجتمع والدولة في الكويت، منها ما يتعلق بحداثة التغير الى الدولة المدنية، ويرتبط بعضها الآخر بالنمط الرعوي الذي اتبعته الدولة الناشئة في توزيع الثروة، وبالتراجع الذي خلفه التجنيس السياسي على النسيج الاجتماعي وتأخير قابليته لسرعة التمدن.
تعود نشأة الكويت كدولة حديثة إلى عهد ما بعد الاستقلال عن التاج البريطاني عام 1962 وقد سبقه بقليل تضخم الثروة الوطنية نتيجة عوائد بيع النفط، وبدء اهتمام الدولة بالتعليم النظامي في العام 1957 بانتشار المدارس الحديثة فيها، وكانت استراتيجية التعليم آنذاك تنصب حول محو الأمية، وحققت الكويت نجاحا سريعا ولافتا فيها، إلا أن الدولة وبعد انتهاء المرحلة الأولى وبحلول أوان وضع وتطبيق استراتيجية جديدة للمرحلة الثانية في التعليم تهدف إلى تحول أنظمته ومناهجه إلى الأنماط الحديثة بغاية تحقيق التنمية البشرية وتنويع الاقتصاد وتخريج عمالة مؤهلة تواكب احتياج سوق العمل، تعطل الانتقال للمرحلة الأشمل بسبب اعتماد التخطيط على خبرات عربية تعاني مجتمعاتها شأنها شأن الكويت من التخلف في مجال التعليم والعجز عن تطويره، كما أدت سيطرة المدرسين من نفس البلدان العربية على إدارة التعليم ووضع أنظمته وكتابة مناهجه أن خرج بمستوى متدن لا يرقى لطموحات الحداثة والتنمية المستهدفة.
ساهم انكشاف الدولة الناشئة على العالم وعلى حركات التحرر العربية في تركز اهتماماتها على سياستها الخارجية في محاولة لأخذ دور محوري لها مع الكبار في المنطقة، الأمر الذي كان له انعكاس شعبي سلبي عززه المناخ الديموقراطي وسقف الحريات العالي اللذان ضمنهما الدستور وتميزت بهما الكويت عن سائر محيطها العربي، فأصبحت السياسة بدلا من الدرجة العلمية محور اهتمام المجتمع والدليل في العرف الاجتماعي على تميز الفرد وتفوقه المعرفي، واستمرت هذه القناعة الاجتماعية إلى يومنا هذا وفقد المواطن اهتمامه بالتعليم وتطويره ودوره في تنمية الوطن والحفاظ على ثرواته وتنميتها وضمان مستقبل يعيش فيه الجميع في رخاء بعد نضوب الثروة النفطية، وساهمت سياسة الوظيفة المضمونة والدخل الثابت والترقي بالأقدمية في فقدان الشعور بالحاجة للإنتاج أو الإبداع.
تسبب توزيع الثروة في البلاد والذي كانت غايته تحسين الحالة الاجتماعية بالتزام الدولة باستمرار تبني الأسلوب الرعوي في تعاملها مع المواطنين، فمن خلال ما سمي بـ«التثمين» أي شراء عقارات المواطنين وبيوتهم الطينية بعشرات أضعاف أثمانها الحقيقية مع منحهم سكنا حكوميا بتقسيط مربح بديلا لها انهارت قيمة العمل والهدف منه وانحصر دور الدولة في رعاية المواطن من المهد إلى اللحد، وأهملت في تأصيل مكانة العمل كمقابل للرخاء.
[email protected]